ليس لدى الثقافة الأردنية من يعيلها

ليس لدى الثقافة الأردنية من يعيلها

28 ديسمبر 2014
عمّان.. (تصوير: محمّد أبو غوش، 2014)
+ الخط -
يدفعنا الحديث عن حصيلة الثقافة الأردنية في عام 2014 إلى التوقف أمام مسارين متناقضين من الحراك الثقافي. يتمثل الأول في المسار الذي تصر عليه المؤسسة الرسمية وتعلنه بشكل مستمر، إذ تفرّغ الفعاليات الثقافية من محتواها وتحوّلها إلى مجرّد مراسم شكلية ينتهي تأثيرها مع كلمة الختام.

أما المسار الآخر، فيقوم عليه جيل جديد من الشباب وطلبة الجامعات، تربّى خارج الأطر الرسمية، وجعل من القراءة والكتاب شعاراً له، يتمرد به على سياسات التهميش والإلغاء.

رسمياً، تنبهت وزارة الثقافة هذا العام إلى لا جدوى برامجها الثقافية، وبدلاً من البحث عن حلول قامت مثلاً بإلغاء بعض برامجها، مثل "برنامج التفرّغ الإبداعي"، الذي ألغي في الوقت الذي كان المثقفون يطالبون بتطبيق الشفافية في توزيع منح التفرّغ. كما قامت الوزارة بإغلاق باب النشر طيلة العام، ولم يفتح المجال لذلك إلا منذ مدة قليلة. وفي ما يخص مشروع مدن الثقافة، فتم تقليصه وإلغاء اللجان المنبثقة عنه، فبدت احتفالية "الطفيلة مدينة الثقافة الأردنية 2014" شكلية أفلت سريعاً من دون أن تحدث الحراك الثقافي المأمول منها.

كما اكتفت وزارة الثقافة برعاية الأنشطة والفعاليات مع اشتراط عدم تحملها لأي تكاليف أو دعم. وفي خطوة غريبة، وافقت الوزيرة لانا مامكغ على رعاية إحدى فعاليات "البيت الأدبي" في الزرقاء، في الوقت نفسه طُلب من إدارة البيت دفع أجرة استخدام المكان الذي تعود ملكيته للوزارة، ما اضطر القائمين على الفعالية إلى إلغاء الرعاية وتغيير المكان كاحتجاج استنكاري.

ينضم إلى هذا المسار غياب شبه كامل لدور "أمانة عمان" الثقافي، وتوقف الكثير من البنوك والشركات عن دعم قطاع النشر، ما أثر سلباً على حجم الإصدارات. بينما يمكن استثناء "مؤسسة عبد الحميد شومان" من مسلسل التوقف والغياب، إذ حافظت على وتيرتها المعتادة في الأنشطة والفعاليات.

في المسار المقابل، واصلت أندية القراءة والمجموعات الشبابية طرح نفسها بقوة كبديل طبيعي لغياب المؤسسة الثقافية. ففي كل يوم تتلقى على صفحتك في الـ "فيسبوك" دعوة لمناقشة كتاب هنا وآخَر هناك. نذكر على سبيل المثال: جماعة "إنسان" و"شرفات" و"تداول" و"أطياف".

بينما كانت الاحتفالية الأكبر لأندية القراءة في "معرض نون للكتاب المستعمل" الذي أطلقته جماعة "انكتاب"، في الثاني والعشرين من أيار/ مايو. وباستعدادات قوامها ما يقارب مئتي متطوع استطاعوا جمع خمسين ألف كتاب.

من جهة أخرى، اقتصر حضور "رابطة الكتّاب الأردنيين" على الأنشطة الروتينية مع القليل من الجمهور. ويمكن الإشارة إلى "مؤتمر السرد العربي الرابع" (دورة أبي العلاء المعري) والبرنامج الشعري لمهرجان جرش كأبرز أعمال الرابطة خلال العام. كما اتسم التوجه العام للرابطة بتغليب السياسي على الثقافي؛ ما عرضها للاصطدام أكثر من مرة مع أعضاء الهيئة العامة، لذلك جاء إطلاقها لرسالة "عمان التنويرية" محاولة بائسة لتجميل صورة الرابطة.

على صعيد آخر، فقد شهد مهرجان المسرح الأردني الحادي والعشرون إقبالاً ملحوظاً هذا العام، ما يبشر بتزايد جمهور المسرح في الأردن. كما كان الإقبال جيداً على النسخة الخامسة عشرة من "معرض عمان الدولي للكتاب"، غير أنّ زوّار المعرض شكوا من ارتفاع أسعار الكتب المعروضة. هذا الارتفاع الذي عزاه أصحاب دور النشر إلى ارتفاع كلفة شحن الكتب وأيضاً كلفة استئجار المكان في المعرض.

وبينما طبع العام 2014 بكثرة المهرجانات والأمسيات الشعرية والأدبية التي تنظمها الهيئات الثقافية، في عمان ومختلف المحافظات، فإن مهرجان "خان الفنون" لفت الانتباه من ناحية مستوى التنظيم وتدبّر دعم له، فجمع الشعر والموسيقى والفن التشكيلي، واستضاف شعراء وفنانين أردنيين وعرباً.

وفي ما يخص الرقابة على الكتب فقد منعت "هيئة الإعلام"، الوصية على المطبوعات والنشر، مجموعة لا بأس بها من الكتب: منها رواية أحمد الزعتري "الانحناء على جثة عمان" الصادرة عن "المركز الثقافي العربي" في بيروت، وقد تم مصادرة النسخ الموجودة في المكتبات والأكشاك، بحجة أن الرواية مسيئة لمدينة عمان وتخدش الحياء العام. كما مُنعت الطبعة الثانية من رواية أيمن العتوم "حديث الجنود" التي تتناول أحداث انتفاضة جامعة اليرموك (عام 1986).

وإن كانت الطبعة الأولى من الرواية قد نفدت بسلام، فإن الجهات المختصة منعت دخول الطبعة الثانية الصادرة عن "المؤسسة العربية للنشر والدراسات". ولم تستثنِ قرارات المنع أحداً من المعارضة أو الموالاة، فقد تم منع كتاب "إرادة الكتابة" لبلقيس الكركي، ابنة أحد رجالات الدولة، الصادر أيضاً عن "المؤسسة العربية".

المساهمون