رحيل سيزار بيلي: العمارة في مقابل قمة إفرست

رحيل سيزار بيلي: العمارة في مقابل قمة إفرست

05 اغسطس 2019
(سيزار بيلي)
+ الخط -

يقترن اسم المهندس المعماري الأرجنتيني بيلي سيزار (1926-2019) الذي رحل مؤخراً، بالمباني الشاهقة وناطحات السحاب التي صمّمها أو أعاد تحديثها والتي حافظت على أرقام قياسية كأكثر المباني ارتفاعاً في العالم لفترات متباينة وهو الذي شبّه ناطحاته السحابية بـ"المكافئ المعماري لقمة إيفيرست".

يظهر بيلي إلى جانب انشغاله بناطحات السحاب مسكوناً بتجنب المدارس الأسلوبية السطحية التي لا تلتفت بالمجمل للبيئة المحيطة في التصميم والعمارة، وهو سعي معماري واعٍ إلى التوفيق بين المباني الشاهقة التي اشتهر بها والبيئة الحالية المحيطة، الأمر الذي دفع متابعين إلى وصف أعماله بأنها "مكتفية ذاتياً من الناحية البصرية وفي مكانها المناسب دون زيغ".

كما أن التصوّرات المعمارية التي ينتجها مصمّم أبراج هيرمان بارك (1979) تأخذ نهجاً مختلفاً في تقديم الواقع، إنه يفعل ذلك عن طريق مواءمة الرؤية إلى مستوى عين أحد المشاة وجعل المبنى الجديد المقترح خلفية لمشهد شارع عادي يسكنه أشخاص عاديون وسياراتهم العادية، محاكاة لفعل القدوم والخروج من المنشأة كنشاط يومي اعتيادي، ثم يتم التساؤل: إن كان هذا المبنى مناسباً هنا، ومتوائماً مع البيئة المحيطة؟

تُعتبر العديد من هذه المنشآت التي هندسها صاحب تصميم مبنى بلدية سان برناردينو (كاليفورنيا، 1969) من بين الأطول في مدينتها أو بلدانها، لكن سيزار بيلي فضّل الحكم على عمله بمصطلحات أكثر تجريداً: "الاستجابات العاطفية التي تولدها هذه المباني، ووضوح تصاميمها واقتصادها، ومساهمتها في الرموز المرئية للمدينة، كمساحات بدلاً من كائنات"، وهو ما أشار إليه في افتتاح One Canada Square، مقتبساً عن الفيلسوف الصيني لاوزي قوله: "إن المنشأة محض واقع جسم مجوّف في الفراغ، وليس في الجدران التي تحدده".

يترجم سيزار بيلي هوسه بناطحات السحاب بـ"الرغبة في الوصول إلى السماء التي تمتد عميقاً في نفسنا البشرية" معتبراً عظمة هذه الأبراج في "مكانتها الخارقة في السحاب".

وبالرغم من غنى الأشكال الهندسية التي قدّمها بيلي لناطحات سحاب ومبان شاهقة الارتفاع مثل المركز المالي في منهاتن وبرجي بتروناس في كوالالمبور إلا أنه غالباً ما يؤكد على أنه "من الخطأ أن يكون لديّ أسلوب" مضيفاً: "نحن المهندسين المعماريين، اليوم نعمل في العديد من الأماكن المختلفة، والكثير من الاستخدامات المختلفة. نحن بحاجة إلى أن نكون أكثر استجابة لما نفعله. نحن بحاجة إلى تعزيز جودة المكان وعدم إضعافه. إذا كنت تفعل الشيء الخاص بك، فأنت تضعف جودة المكان الذي تبني فيه" وهي المفاهيم التي ورثها بيلي، من أستاذه إيرو سارينين، وهي مفاهيم بات يطلق عليها مبدأ البساطة الحداثية العملية.

يعتبر مركز المحيط الهادئ في لوس أنجلس، واحداً من أبرز المعالم التي جسّد بيلي مفاهيمه من خلالها وهو مبنى أصبح يُعرف باسم الحوت الأزرق بشكله الجريء: مظهر جانبي غير منتظم، يشبه صباً معمارياً مقذوفاً دون إضافات ومغطى بغطاء أنيق من الزجاج الأزرق الشفاف، وبعض التلميحات - ربما رمزية - إلى السياق التاريخي أو الإقليمي.

هذا الشكل الذي أصبح في ما بعد العلامة التجارية لتصميمات بيلي من ناطحات السحاب المكسوة بالطبقة الزرقاء الزجاجية، وعلى الرغم من تشابه التصميم من حيث الروح بتصاميم أخرى لكن بالنسبة لصاحبها، على الأقل، كان كل مبنى مختلفاً ومجدداً.

هذا هو المكان الذي تسلل منه أكثر نقاد الرجل ضراوة، من خلال اعتبار ذلك كله عبارة عن كليشيهات عالمية، لا تضيف جديداً. وخصوصاً مع تجديده لمبنى "متحف الفن الحديث" في نيويورك الذي أثار ردود فعل متباينة، حيث قال بعض النقاد إنه يفتقر إلى الطموح والابتكار الموجود في أعماله الأخرى.

بعد اكتمال البناء في عام 1984، كتب الناقد المعماري بول غولدبرغر في صحيفة "نيويورك تايمز" أن المبنى "لم يكن في طليعة المفاهيم التصميمية بمعايير اليوم، في الواقع، لم يكن الطليعي على الإطلاق، أي أنه لم يتجاوز جمالياً معظم مقتنيات الفن الحديث داخل المتحف"، باعتبار التصميم يتكون من بشرة خارجية غير هيكلية من الحائط الساتر الزجاجي، وأرضية منتظمة تمتد على غالبية البرج، تبلغ ذروتها بتاج في الجزء العلوي، معتبراً ذلك كله تكراراً لم يقدم أي تنازل واضح للسياق الطبيعي أو لوظيفة المتحف؛ إلا أنه وبالرغم من اعتراضات بعض النقاد إلا أن العمل حظي بالاعتراف كعمل رئيسي لما بعد الحداثة الأميركية، ورسّخ مكانة بيلي على خريطة الفن المعماري العالمي.

ولعل المفارقة الأغرب في حياته تكمن في أن بيلي نفسه يفضل أن يعيش على ارتفاع لا يتجاوز خمسة أو ستة طوابق بالحد الأقصى "حتى أتمكن من رؤية الناس والأشجار في الشارع، علاوة على ذلك، لا أريد أن أفقد الاتصال مع الأرض".

المساهمون