داريو فرياس باريديس: انتحال معلَن

داريو فرياس باريديس: انتحال معلَن

11 اغسطس 2018
(الشاعر المدان بالانتحال أثناء فوزه بجائزة عام 2015)
+ الخط -

في شباط/ فبراير 2016، وبينما كان يتصفّح دواوين شعرية ليطّلع على جديد الإصدارات الأدبية في بلاده، وقعت يدُ الشاعر الإسباني، خورخي دي أركو، صاحب "الساعات المغمورة" على ديوانٍ أثار عنوانُه "أن تتحوّل إلى ظلّ" انتباهه.

كان العمل الصادر عن "دار هيبيريون" المتخصّصة في الشعر، والذي يُشير غلافه إلى فوزه بـ "جائزة ألفونس الشهم" في دورة 2015، يحمل توقيع اسم جديد في المشهد الشعري الإسباني: داريو فرياس باريديس.

اشترى دي أركو نسخة من الديوان وشرع في قراءته، ليكتشف أنه يشتمل على نسخٍ وانتحالٍ لتسعٍ، على الأقلّ، من قصائده التي نُشرت قبل ثلاث سنوات. كما بدا له أنه تعرّف إلى قصائد لشاعر وصحافيّ آخر هو كارلوس أغانثو.

قارن الاثنان أعمالهما بعملٍ شعريّ آخر لداريو فرياس باريديس يحمل عنوان "منطقة سكيثيا"، وسبق له الفوز بـ "جائزة نيكولاس ييرو" في 2015 أيضاً. أثار العنوان شكوكهما، لأن أغانثو نشر، قبل سنة من ذلك، ديواناً بعنوان "في منطقة نود". وبالفعل، سيعثران فيه على 21 قصيدةً منتحلة، تُضاف إلى 12 قصيدة منتحلة تضمّنها الديوان الأوّل.

كان التشابه كبيراً إلى حدِّ أنهما قرّرا تحريك دعوى قضائية ضد باريديس، بتهمة انتحال قصائدهما وإخراجها في "نسخة فاضحة ومتلبسة بجريمة السرقة الفكرية". رُفعت الدعوى في تمّوز/ يوليو 2016، على أمل إدانة المتّهَم بالسطو والانتحال والاعتداء على ملكية الآخرين الفكرية.

بعد مقارنة الأعمال الأدبية المعنيّة وإخضاعها للملاحظة الدقيقة، خلُص إلى وجود اقتفاء للأصل والنسج على منواله في قرابة مئة قصيدة، مع استبدال كلمات بأخرى لها نفس الميزان الصرفي، للحفاظ على إيقاع الأبيات الشعرية. وأحياناً، استُعملت كلمات مرادفة للاحتفاظ بالمعنى الأصلي. بل أُبقي، أيضاً، على تراتبية الكلمات والأسطر لإعادة إنتاج المعنى والفكرة والإيقاع الشعري الخارجي بشكلٍ قريب من الأعمال الأصلية.

كما أعاد المنتحِل الإهداء نفسه، ما جعل أغانثو يحتجّ، بعد صدور الحكم القضائي، قائلاً: "شعري حميميٌّ جدّاً. إنه جزءٌ من تجربتي الشخصية. أن يسطو آخر على حياتك، فإن ذلك يجعلك تشعر بفداحة الاعتداء".

بعد إثبات الوقائع المعروضة على المحكمة، قضت محكمةٌ في مدريد بأن تسع قصائد من ديوان "أن تتحوّل ظلّاً"، متطابقةٌ مع قصائد من "الملائكة المتساقطة" لـ أغانثو، وبأن تسعاً أُخرى تتطابق مع قصائد مع "الساعات المغمورة" لـ دي أركو. كما استُعمل الكثير من المقاطع من "في أرض نود" ونُسخت قصائد منه بشكلٍ كامل.

دافع المتّهَم بالانتحال، والذي يُمارس مهنة التدريس، عن نفسه أمام المحكمة، مُعتبراً ما جرى "مجرّد تناص إبداعي، وإعادة صياغة بشكل نقدي وأصيل"، مُعتبراً أنه لم ينسخ النصوص، بل أخذ الإرث الإبداعي لـ أغانثو وغيّر معناه. كما اعترف بأنه اشتغل على 180 سطراً شعرياً.

ولتعزيز رأيه، استنجد ببعض النقّاد الأدبيّين الذين اختلفوا في الأمر؛ إذ رأى بعضهم أن المسألة لا تتعدّى كونها "حواراً أدبيّاً بين شاعرَين"، وفي هذه الحالة "ليس ضرورياً تمييز أشعار الآخرين بخطّ مائل أو بعلامات التنصيص"، وفق رأيهم، بينما ذهب آخرون إلى القول إن المنتحِل لم يقم بأيّ جهد تخيُّلي شخصيّ. وهؤلاء، اعتبروا أن العرف يقتضي وضع المقتبَس بين علامات تنصيص، أو كتابته بشكلٍ مختلف.

شهدت إسبانيا عدّة دعاوى ضدّ ظاهرة الانتحال الأدبي. لكن، هذه هي الدعوى الأولى التي جرى الفصل فيها عبر المسطرة الجنائية؛ إذ اعتبر الحكم القضائي الصادر الشهر الماضي أن الهدف من الانتحال هو "الحصول على منافع مادية غير مشروعة"؛ إذ حصل باريديس على قرابة 11 ألف يورو في غضون أشهر قليلة من صدور الديوانَين.

هكذا، قضت المحكمة بمعاقبته بالسَّجن 15 شهراً نافذاً، ودفع تعويض، ومصادرة العملَين المنتحَلين والأموال المتحصَّل عليها من الجائزتَين.

دلالات

المساهمون