ناصر خضر: القلب ينزف.. وينتحل

ناصر خضر: القلب ينزف.. وينتحل

17 مايو 2017
ناصر خضر، تصوير: صوفي أمالي كلوغارت
+ الخط -

حين صدر كتاب "القلب ينزف" في 2015 عن دار نشر "الناس للنشر"، محتوياً على 75 فصلاً سردياً لعضو البرلمان الدنماركي، ذي الأصول الفلسطينية والسورية، ناصر خضر، في عمل مشترك مع الصحافي الدنماركي ستي ماثياسن، كان الأخير من مجموعة كتب بدأ بإصدارها منذ عام 1996.

كانت بدايات خضر بعمل حقّق أرقام مبيعات كبيرة، كيف لا وقد تناول ثقافة وعادات العالم العربي، ووضع عنواناً مثيراً؛ "الشرف والعار"، في لحظة تعطش لفهم هذا الآخر العربي المقيم بين ظهراني مجتمع كبر فيه خضر وغيره بعد رحلة طويلة مع الهجرة، حيث عدّ الكتاب "شهادة عن حقيقة لا جدال فيها عن العرب".

أخذ "الشرف والعار" مداه الأكبر بعيد عمليات 11 أيلول/ سبتمبر 2001، ثم نفخت في رماده "أزمة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة" لتدعم مقولاته أكثر حول "تخلف العرب والمسلمين" و"عدم قدرتهم على تحمل النقد أو حس الفكاهة في رسم كاريكاتوري". لكن من جانب آخر ينبغي توضيح أن الكتاب نفسه شكل صدمة لكثيرين من ذوي الأصول العربية للصورة التي رسمها عنهم.

شكّل هذا العمل انعطافة كبيرة في حياة خضر وكان بوابة كبيرة لولوجه عالم السياسة من خلال حزب "راديكال". وبعد عقدين على صدوره، ظهر "القلب ينزف"، وفي الأثناء انتقل خضر من حزب إلى آخر، وانتهى في حزب "المحافظين"، الذي خرج بمقولة في انتخابات 2015 عن الإسلام تعتبره "نازية وقتنا الحالي".

صحيفة "انفارمسيون"، الأكثر انتشاراً بين مثقفي وأكاديميّي الدنمارك، قامت بعرض الكتاب تحت عنوان "العم ناصر يسرد لساعات"، وهو عنوان وصفي بقدر ما هو ساخر، ففكرة العمل تقوم على كون خضر يسرد على ماثياسن، ويراسله، حين كان يعمل باحثاً في "معهد هدسون للدراسات" في واشنطن.

قدّم خضر وماثياسن، صورة تتناسب وعنوان الكتاب عن القلب الذي ينزف في العالم العربي، فهو "عالم يعيش تاريخ اضطرابات قاتمة، محشورة بين النكسات، وأشواق إلى الحرية شهدنا اندلاعاتها المثيرة في الربيع العربي وصعوبات في التكيّف مع العولمة والحداثة. وفوق كل ذلك ما تزال الدموع الإيديولوجية الداخلية تذرف على شكل تطرف مذهبي وطائفي يقسّم المنطقة بتنافس إقليمي إيراني سعودي. فالكثير من العلل الحالية في العالم العربي ترجع إلى السؤال: من الذي يجب أن يقود قطار العالم الإسلامي، هل الهيمنة الشيعية أم السنية؟".

ولإضافة شيء من المصداقية، ذهب الكاتبان إلى طفولة خضر في سورية، وقد أحضره أبوه إلى الدنمارك في سن العاشرة، وتتالت زياراته إليها، ومن هذه الذكريات يصف النظام الطائفي في البلد ورؤيته لكيفية تسيير المجتمع بالقمع، ومشاهداته لعمليات تصفية معارضين ومثقفين ورمي جثثهم أمام الأطفال في إحدى الحارات التي كان يلعب فيها في صباه، لينتقل بعد ذلك إلى تفاصيل عن الثقافة والعادات العربية وصراع المستقبل العربي.

يتابع بعد ذلك الكتاب الذي يقع في 266 صفحة حكايات متفرّقة عن واقع العالم العربي ومحاولته كسر الحلقة المفرغة لعقود والانتقال الضروري لمحاكاة الحداثة بعيداً عن الديكتاتورية بكل أشكالها، كما يعرّج على أدوار الدول الغربية وتدخلاتها العسكرية السابقة، والضرورية حالياً - فيما رآه خضر - وخصوصاً في سورية مع انتقادات لاذعة لإدارة أوباما.

وبالإضافة إلى محاوره الإشكالية، جلب الكتاب الأضواء إليه حين جرى اتهامه بالانتحال والسرقة الأدبية. مرة أخرى كتبت عنه "انفارمسيون" (في الخامس من الشهر الجاري)، مشيرة إلى أنه لم يلتزم بـ "أمانة الإشارة إلى المراجع"، ونبّهت القرّاء إلى أن عليهم أن يروا في فصول الكتاب كيف جرى حشوه بنثريات ويكيبيديا ونصوص آخرين، لملء ضعف الفصول بسرديات منشورة سابقاً".

بعد ذلك أجرت صحيفة "فيكيند أفيزن" تحقيقاً شاملاً عن مرجعيات الكتاب لتخلص إلى نتيجة أن "أحد عشر فصلاً احتوى على جمل طويلة أخذت من كتب ومقالات وأعمال مرجعية دون أن يشار إليها البتة". ومنذ فترة كان الكاتبان قد دخلا في موجة اتهامات متبادلة، فماثياسن اتهم خضر بأنه كان يسرد عليه، ويرسل له النصوص بلغة دنماركية، حتى وهو في واشنطن. وفي المقابل، راح خضر يتهم الصحافي الدنماركي بأنه هو الذي أقحم تلك النصوص في فصول الكتاب.

أياً ما تكون نتيجة التراشق، فثمة مسؤولية كبيرة على الأطراف الثلاثة: الكاتبين ودار النشر، والتي اعترف مديرها الإبداعي ياكوب كفيست بالقول: "نحن مذنبون بالسرقة الأدبية عن طريق الإهمال، وهذا شيء يحزننا للغاية".

لكن ماذا بعد؟ هكذا طاردت الصحافة الدنماركية كفسيت الذي صرّح بأن قرار دار النشر لن يكون بسحب الفصول المسروقة وحدها، بل "سحب الكتاب من السوق وإحراق ما لدينا منه".

مع هذا المآل، أخذت الصفحات الثقافية في صحيفة "إنفارمسيون" تشعر أنها حققت "انتصارا للأدب والحقوق والعقل"، وذلك بعد عامين من الجدل.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، أثار انتباه فاحصي الكتاب نوع محدد من السرقة الأدبية، التي ينظر إليها بشكل خطير في اسكندنافيا، كيف أن ناصر خضر أخبر الصحافي ماثياسن قصة في فصل "ثقافة الخبز" عند العرب: "لقد رأيت ذلك يحدث في طفولتي بسورية، عندما كانت تقع إلى الأرض قطعة خبز من يد جدتي فلم تسمح بأن يلقى بها إلى القمامة".

النص المشار إليه بعد التمحيص الأدبي من قبل الصحيفة وجدته مقتطفاً جرى اقتطاعه من نص على موقع صاحب كتب الطبخ الكندي حبيب سلوم باللغة الإنكليزية!

ولا يبدو أن ذلك الاقتباس وحده الذي يكشف عما اعتبر سرقة أدبية في الكتاب، حيث إن أحد عشر فصلاً على الأقل احتوت نصوصا نسبت للكاتب وتبين أنها "مقتبسة" من دون الإشارة للمصدر. لكنها فيما يبدو أوصلت الكتاب، إلى نهاية مأساوية في سلة المهملات والحرق. والأرجح أن هذا كله لن يمر بلا تأثير على مستقبل خضر السياسي.

دلالات

المساهمون