شوكت باموك.. حول الطاعون وتاريخنا

شوكت باموك.. حول الطاعون وتاريخنا

16 نوفمبر 2017
(شوكت باموك)
+ الخط -

يرى مؤرخون أن الأوبئة التي عصفت بـ تاريخ المجتمعات المختلفة عبر العصور، تركت آثاراً لا تقلّ عن تداعيات الحروب الكبرى والثورات والأزمات الاقتصادية، من هنا سنجد أن أرفف المكتبات الأوروبية على وجه الخصوص تزدحم بالدراسات التي عادت إلى القرون الوسطى ودرست الأثر الذي تركته أوبئة مثل الطاعون وغيرها على التاريخ السياسي والثقافي والاجتماعي بل والأدبي (ثمة نوع أدبي كامل يطلق عليه المؤرخون "أدب الطاعون" في أوروبا، والذي تناول سنوات انتشار المرض).

تزيد الحاجة إلى الوقوف عند هذا التاريخ أنه ورغم التطوّر الطبي والتقني والاجتماعي والثقافي ما زالت الأوبئة أقوى من الإنسان، وفي كلّ عقد يظهر الوباء الذي يقف أمامه الطب مكتوف اليدين، وتظهر أبعاد غياب العدالة الاقتصادية والتخّلف الاجتماعي والأمية والتاريخ الاستعماري بل واحتكار العلم من خلال انتشار أمراض مثل إيبولا وانفلونزا الطيور وجنون البقر.. إلخ.

ورغم أهمية هذا الموضوع لكن المؤرخ العربي والمشرقي عموماً قلما التفت إلى هذه الجوانب من التاريخ، فإن بحثت عن مراجع أو كتب عربية تتناول ظهور الأوبئة في العهد العثماني مثلاً وكيف جرى التعامل معها وكيف تغيّرت الإجراءات الطبية آنذاك وكيف أثر الوباء على البنية الاجتماعية، فإنك لن تجد الكثير.

في هذا السياق تأتي أهمية المحاضرة التي يلقيها المؤرخ التركي شوكت باموك عند السادسة من مساء اليوم في قاعة "ويست هول" في الجامعة الأميركية في بيروت تحت عنوان "الطاعون وتاريخ الشرق الأوسط".

المحاضرة هي الفعالية السنوية التي تنظّمها الجامعة وتحمل اسم المؤرخ اللبناني كمال الصليبي (1929-2011)، ويتناول فيها باموك، أستاذ الاقتصاد والتاريخ الاقتصادي في "جامعة بوغازيتشي"، أثر الأوبئة وخصوصاً الطاعون في المجتمع الشرقي في فترة الإمبراطورية العثمانية التي يتخصّص فيها.

تدور محاور المحاضرة حول المرض المعدي وأثره الاجتماعي والسياسي والصحي على المجتمعات في ذلك الوقت، ويعرّج على الإجراءات الصحية التي كانت تُتخذ، ودور الأخلاق الطبية في مكافحة المرض، وردّ الفعل الاجتماعي والهستيريا والعنف الجمعيين اللذين يقعان عند حلول وباء مثل الطاعون.

تركّز محاضرة باموك على تأثير ما يسمى بـ "طاعون جوستينيان" والذي بدأ في القرن السادس الميلادي ثم اختفى وعاد في القرنين الثامن والتاسع واختفى من جديد، إلى أن ظهر مرة أخرى في القرن الرابع عشر وأُطلق عليه آنذاك "الموت الأسود"، وظلّ يتكرر في بلدان "الشرق الأوسط" حتى القرن التاسع عشر.

يسبق هذه المحاضرة إطلاق كتاب لمجموعة من الباحثين في "الجامعة الأميركية"، يتضمن أوراقاً ودراسات حول عمل الصليبي، بعنوان In the House of Understanding: Histories in Memory of Kamal S. Salibi، وهو من منشورات الجامعة.

عن العمل يقول الأكاديمي عبد الرحيم أبو حسين، أستاذ التاريخ وأحد محرّري الكتاب إنه "ينطلق من اهتمامات ودراسات الصليبي المتعدّدة التي أغنت المكتبة التاريخية والإنسانية ليقدم إلى القارئ أبحاث قيمة وحديثة من أبرز الأكاديميين من مختلف الاختصاصات".

وأشارت مقدمة الكتاب إلى أن "المؤرخ الراحل كمال الصليبي يعتبر من أبرز المساهمين في تاريخ لبنان الحديث، ولكن إرثه العلمي يتخطى لبنان ليطال تاريخ الشرق الأوسط من حقبته التوراتية إلى تاريخنا المعاصر. من هنا تشمل مجموعة الأبحاث والدراسات تكريماً للصليبي واهتماماته العلمية العديدة التي تمحورت حول التاريخ القديم والقرون الوسطى والتاريخ الإسلامي والأدب والفنون".

المساهمون