المعركة الغائبة مع الإرهاب: المصطلح وتحويل وجهته

المعركة الغائبة مع الإرهاب: المصطلح وتحويل وجهته

23 مارس 2015
عبد الكريم مجدل البيك (مواد مختلفة على قماش)
+ الخط -

يبدو أن الموجة الأخيرة من "الجماعات الجهادية"، كداعش وبوكو حرام وعملياتها الكبرى في باريس والعراق وليبيا وتونس، جعلت كل الفكر في العالم يقف أمام نقائص التصدي للظاهرة الإرهابية في عصرنا. نقائص تنبع من ثغرات تمثّلٍ فكري ومن استعمالات عشوائية للمصطلح، وكذلك من التطوّر السريع للقائمين على صناعة الإرهاب ومنفّذيه.

مجزرة متحف باردو الأخيرة في تونس، جعلت المجتمع المدني التونسي يهب إلى إعادة التفكير في الظاهرة، ومن هنا جاءت جلسة الحوار التي نظّمها "التيار الديمقراطي" في فضاء "نجمة المدينة"، أمس الأول، تحت شعار "مقاربات غير أمنية لمقاومة الإرهاب".

ينطلق النقاش من مسلمة محدودية الخيار الأمني في مجابهة الظاهرة الإرهابية، وهنا يقول السياسي محمد عبو في الكلمة الافتتاحية "لقد أصبحت تونس بلد المليون خبير أمني"، ثم يرصد تطوّر الظاهرة الإرهابية مبيّناً انتقالها من الموجة اليسارية إلى الموجة الإسلامية.
في مداخلته، يقول الباحث سامي براهم "إن الدارسين قد تأخّروا في فهم الكيمياء الاجتماعية التي تفرز الإرهابي". يلاحظ صاحب كتاب "نقد العقل الأصولي" أن الخطاب السلفي الجهادي "أصبح مُتقَناً وأن العدّة المعرفية للحجاج المضاد مفقودة".

يتساءل براهم "ماذا يقرأ الشباب الذي تستقطبه الآلة الدعوية للتطرّف؟" ويجيب، من موقع بحوثه حول الظاهرة، أن "مدوّنة السلفية الجهادية قد تراكمت في غفلة من المتابع الأكاديمي" فهو يجد ضمن هذا الفكر آلاف الكتب السهلة التداول. كما يعترف بتطوّرات حققتها المدوّنة السلفية، وخاصة إحالاتها لمرجعيات أساسية في إدارة العنف ومنها الحركة الصهيونية.

يصرّح براهم لـ "العربي الجديد" إثر نهاية كلمته: "إذا أردنا مجابهة الظاهرة الإرهابية فلا مناص من مناظرة بين فكرين. إذ إن من يقتلون، يفعلون ذلك باسم قناعات فكرية وباسم رؤية وتصوّر مهيكل توضع حوله كتابات كثيرة ذات مقروئية عالية".

وحول استعمالات مصطلح الإرهاب، رغم فروقات القضايا والأهداف والوسائل، خاصة مع صعود تنظيمات جديدة، وكون مطاطية المصطلح قد تعيق دراسة الظاهرة، يقول: "ما زلنا في حاجة لمفهوم إجرائي للإرهاب من أجل دراسته، ولكن ستظل المقاربات مختلفة باختلاف مصالح الدول والقوى"، ومن زاوية أخرى يشير إلى أن "الإرهاب الذي يتحرّك اليوم لا علاقة له بهذا التجاذب على مستوى المصطلح، بل إن له قضايا أخرى، عملية بالأساس، تتجاوز هذه الالتباسات".

شاركت المحامية إيمان البجاوي في النقاش بمداخلة "المقاربة الثقافية لمقاومة الإرهاب". وتقول لـ "العربي الجديد" بأن ثمة "إشكالية كبرى في توصيف الإرهاب، وهذا يبدأ من المستوى القانوني". وهي ترى "إن الإرهاب في تعريفه محكوم بعلاقات القوة".

إنه مفهوم تتصادم فوقه القوى والنخب بغية توظيفه، لنجد في الأخير ما يشبه إكراهاً على استعماله في إطار محدّد، حتى إن مصطلحه قد تحوّل بشكل ما إلى أداة قمعية، ستمنع التفكير الحرّ فيه، كما قد تعيق مجابهته حسب الحل الذي طرحه سامي براهم بـ "جرّ هذه التيارات إلى المعركة الفكرية".

تجد البجاوي الكثير من المطاطية في مفهوم الارهاب، في مختلف مستويات التناول ومنها المدونة "الجهادية" ذاتها، وتعطي مثالاً من كتاب "إدارة التوحش" لأبو عمر ناجي حيث أنه لا يذكر فلسطين من بين البلدان التي ينطبق عليها الجهاد، بينما تونس مذكورة بالاسم، ومن هنا تستنتج "إن الإرهاب في تعريفه محكوم بالمصالح وعلاقات القوة".

وتضيف: "هناك أزمة بدائل، خاصة حين تكون النخبة الفكرية منكمشة في أطر أكاديمية أو جمعياتية في حين يتحرك دعاة الفكر الجهادي بنسق أقوى، وهؤلاء يقدمون رؤية للشباب سهلة الاستخدام، وكأنهم يقدّمون فكراً في قرص مضغوط. في المقابل، لا يجد هذا الشباب قرصاً مضغوطاً من أي فكر آخر".

لعل الإضافة النوعية للجرائم الإرهابية في الأشهر الأخيرة، هو درجة الإتقان التقني الذي أصبحت عليه، يقدم سامي براهم قراءة لذلك قائلاً "لقد بدأ هذا التيار يعبر عن نفسه بشكل ثقافي، ويستخدم مادة ذات جودة تقنية عالية مستعملاً المؤثرات البصرية والصوتية والأناشيد ذات الوقع العاطفي القوي".

يقدم ملاحظة فنية أخرى: "يوجد سرد في إخراج الإرهابيين لجرائمهم، ففي كل فيديو ثمة قصة، وهي قصة السلفية الجهادية مختصرة، تبدأ بالاستقطاب أو الخروج من عالم الظلمات إلى نور، ثم قصة الحلم بالجنة وتنتهي بفاجعة وهي الخلاص والنجاة الأخروي بحسب اعتقادهم. وهذه تعبيرات فنية موجهة للتدمير".

يرى براهم أنه لا مجال إلى مجابهة الإرهاب إلا بـ "جرّ هذه التيارات إلى المعركة الفكرية" لكن قبل ذلك لا بد من إخراج المفاهيم من سوء استخداماتها.

ولعل مصطلح الإرهاب بالذات قد عرف "تحويل وجهة" يكتشفه القارئ في مسيرة "مصطلح الإرهاب"، على مدى قرن، وها إن الجرائم العشوائية والاستعراضية الأخيرة قد طمست أبعاد القضايا والانتماءات التي يتحرّك في إطارها ويشوّهها.

إنه مفهوم تتصادم فوقه القوى والنخب بغية توظيفه، لنجد في الأخير ما يشبه إكراهاً على استعماله في إطار محدّد، حتى أن مصطلحه قد تحوّل بشكل ما إلى أداة قمعية، ستمنع التفكير الحرّ فيه، كما قد تعيق جهود مجابهته.

دلالات

المساهمون