لخضر حمينة: الاستقلال مرة أخرى

لخضر حمينة: الاستقلال مرة أخرى

20 نوفمبر 2014
+ الخط -

عكس المتوقع تماماً، كان حصول المخرج الجزائري محمد لخضر حمينة على سعفة "كان" الذهبية، عام 1975، عن فيلمه "وقائع سنين الجمر"، بدايةً لاختفائه من المشهد السينمائي. كان مفاجئاً ابتعاد الرجل عن الأضواء بعد أن وضعه المهرجان الفرنسي وسطها.

من هنا، تشكل عودته بفيلمه الجديد، "غروب الظلال"، الذي عُرض الأسبوع الماضي في الجزائر العاصمة، حدثاً سينمائياً بحدّ ذاته.

لا ينفصل حمينة، في شريطه هذا، الذي وضع نصّه بالتعاون مع ابنه مالك، عن هواجسه المتعلقة بثورة التحرير الجزائرية. غير أنه يضيف إلى إدانة جرائم فرنسا، هذه المرة، أبعاداً أخرى، منها الاحتفاء بمساندي المسألة الجزائرية من الفرنسيين أنفسهم، ونقد حالة الاستقلال الوطني الذي بقي، حسب رأيه، ناقصاً، لأنه لم يثمر اعتذاراً رسمياً من المستعمِر كما تقتضي الأعراف الدولية والقيم الإنسانية.

يبدأ الفيلم بالصحراء الجزائرية وينتهي إليها. إنه صراع الذاكرة، ذاكرة الإنسان والمكان، وهما يواجهان محواً ممنهجاً يشرف عليه الآخر المختلف حضارياً وثقافياً، والذي يملك إرادة قوية في إحلال ملامحه مكان الملامح المطموسة. شيخٌ طاعن في السن وكذلك في الخوف على هويته، هو محمد لخضر حمينة نفسه ربما، يلقّن صغار قريته فصولها وأصولها، ويقاسي خشيته على ولده، خالد، الذي التحق بجامعة "السوربون" في باريس ليكمل دراسته. في هذا الوقت، كان خالد يعدّ خلية فدائية سرية مكونة من شباب ينتمون إلى الجالية الجزائرية في فرنسا؛ خلية سيعود بها إلى الجزائر عام 1958 ليهدد أمن المستعمِر.

هنا، تظهر شخصية الرائد الفرنسي سانتوناك، الغارقة في إيمانها بكون الجزائر قطعة أبدية من فرنسا، والذي لا يسمح لأحد بأن يهدد هذا الخيار. هكذا، ستصل جهود الضابط إلى القبض على خالد وجماعته وإحالتهم إلى الإعدام. يمتثل الجنود الفرنسيون لأوامر الضابط بقتل الفدائيين، ما عدا الجندي لامبير، الذي يرفض أن يقتل خالد، بل إنه يجرد قائده من سلاحه، ويطلق سراح الأسير، ليخوضوا، هم الثلاثة، في الصحراء هروباً إلى الأراضي المغربية.

يبرع حمينة في تقديم الصحراء كفضاء للجمال والبوح، حيث يتجرد الثلاثة، أمام سرابها، من أحقادهم، لكنهم لا يتجردون من خلفياتهم الثقافية. هكذا، يبقى كل واحد منهم في دائرته الخاصة؛ وحتى وإن كان يتمنى النجاة للآخر في هذا الخطر المشترك، فإنه ليس مستعداً لأن يتنازل له عن بقعته وقناعاته.

وليس مشهد الفيلم الختامي، الذي يرصد إلقاء فرنسا قنبتلها النووية في الصحراء الجزائرية، حيث يموت سانتوناك ولامبير، بينما يواصل خالد طريقه إلى المغرب مكملاً مسيرته؛ إلا رسالة من المخرج تفيد بأن المستعمر يذهب ضحية سلاحه ومشروعه.

ما يؤخذ على الفيلم، في المحصلة، هو هشاشة بنيته اللغوية، إذ ليس ثمة مبرر للتداخل المشتِّت بين اللغتين العربية والفرنسية فيه، والذي يؤثر، بكل تأكيد، على لحظة التلقّي.

المساهمون