وقفة مع محمد عادل زكي

وقفة مع محمد عادل زكي

12 نوفمبر 2021
محمد عادل زكي
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه. "تعدينا على القوانين الطبيعية للعالم هو إمعان في إفساده" يقول المفكّر الاقتصادي المصري في حديثه إلى "العربي الجديد".


■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
- مع تعقد حياتنا اليوميّة، قد يصعب على المرء أن يشير إلى أمرٍ بعينه يحتل مجمل انشغاله؛ فأنا يومي مقسَّم بين ثلاثة محاور أساسية: من الصباح وحتى الثالثة عصرًا تقريبًا يكون الانشغال بمهام العمل، كمحام، ثم بعض الراحة، ثم المقابلات والمحاضرات حتى العاشرة مساءً، ثم القراءة والكتابة حتى مشارف الصباح. وجميع أقسام اليوم بما تتضمّنه من مسؤوليات تمثل انشغالي الدائم؛ فالمحاماة مهنة شاقة وشيقة وكل مفرداتها يجب أن تمثل انشغالًا جديًّا للمحامي. والمحاضرات تضعك كل يوم في تحد مستمر في سبيل تعليم الشباب علم الاقتصاد السياسي. أما البحث العلمي فهو في ذاته انشغال لا ينتهي. 


■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
- آخر أعمالي كان كتاب "نقد الاقتصاد السياسي" وقد بلغ ثماني طبعات، آخرها في مصر وتونس، وبات متاحاً إلكترونياً في طبعة شرعية، وأرجو أن يتسع العمر كي انتهي من كتاب "مبادئ المالية العامة".

 
■ هل أنت راض عن إنتاجك ولماذا؟
- لديّ يقين بأن ذهن الباحث حينما يطمئن ويهدأ، يحل موته كمبدع لا يكف عن الخلق، وتتوقف حياته كمنتج للمعرفة. ولذا، فالباحث الجيد لا ينبهر بما يصل إليه من أفكار فهو ذهن قلق، النهايات أشد ما يزعجه، ولذلك كنتُ، مع كل طبعة تَصدر لأيٍ من كتبي، أول ناقدٍ لأفكارها، بل لمنهج الطرح داخلها؛ فلم يكن هدفي - مُتحررًا من أوهامِ المؤلّفين عازفًا عن ترَّهَات الكتَّاب - إلا محاولة بلوغ ضِفاف الحقيقة العِلمية، دون ادعاء ملكيتي لناصيتها.


■ لو قيض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
- على الصعيد الفكري سوف أسلك نفس الاتجاه عاشقًا للاقتصاد السياسي، وعلى الصعيد العملي سوف أسلك نفس الاتجاه محامياً مغرماً بعلم القانون.


■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- الواقع أنا لستُ من هؤلاء الحالمين بتغيير العالم، بصفة خاصة في ما يتعلق بعالمنا العربي؛ ببساطة لأنني لا أرى أي ضرورة لهذا الحلم، فأنا مؤمن بأن لهذا العالم، بكل شروره وجماله، قوانينُه الموضوعية التي حكمت بداياته كما حكمت تطوّره وستحكم نهاياته. وتعدّينا على هذه القوانين ما هو إلا الإمعان في إفساد هذا العالم، مهما ادعينا، إفكًا، إصلاحه. ولأن مذهبي هذا سرعان ما تم تأويله على نحو لم أقله أبدًا؛ فأود أن أوضح هنا أني أرى كل العبث في محاولة إصلاح مجتمع، أي مجتمع، على عكس ما تقتضيه الطبيعة الراهنة لهذا المجتمع. وبالتالي يجب أن تكون جهودنا، في عالمنا العربي، مركزة في فهمٍ ناقد للقوانين الموضوعية الكبرى التي تحكم عالمنا وترسم له خط سيره حتى تطيش الأرض بعيدًا عن مدارها ويحل الموت. وبالتالي نكون مستعدين، حينما تتيح لنا فقط القوانين الموضوعية ذلك ولو بعد ألف عام، دفع عجلات التاريخ نحو عودة مركز الثقل الحضاري إلى الشرق مرة أخرى. فأن تتسلح دومًا لغد أفضل، حينما يحين مجيئه حتمًا، شيء، وأن تدَّعي قدرة زائفة على خلق هذا الغد، بمخالفة قوانين الطبيعة، شيءٌ آخر. فالسعي من أجل غد أفضل. غد عادل رحيم، هو في حقيقته، وبوضوح، محض تهيؤ واع لاستقباله حينما يجيء وفق قوانين موضوعية لا شأن لنا بها، وما تدخلنا في عملها إلا، كما قلت، الإمعان في إفساد العالم بكل غطرسة الجاهل.


■ شخصية من الماضي تود لقاءها، ولماذا هي بالذات؟ 
- عالم الاقتصاد البريطاني ديفيد ريكاردو، فهو لدى الجمهور من شراح تاريخ الفكر الاقتصادي من أهم أساتذة الاقتصاد السياسي، وفي الوقت نفسه قد تثير نصوصه داخلك الشكوك حول أصالته! فهل كان ريكاردو يستحق فعلًا كل هذا التبجيل أم أنه مجرد مؤلَّف أفَّاق؟ دومًا ما كنت أظن أن الإجابة لا يمكن أن تكون سليمة إلا بعد مقابلة ريكاردو نفسه! 


■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
- زوجتي، الدكتورة سحر، هي صديقي الصدوق وهي دائمًا على بالي في القرب والبعد. أما الكتاب الذي دائمًا ما أعود إليه، بل قل ربما لا يفارقني فهو كتاب "الإمتاع والمؤانسة" للتوحيدي، فهو كتابي المفضل، ومن النادر جدَّا أن أسافر سفرًا طويلًا أو حتى قصيرًا دون أن يكون رفيق الرحلة. 


■ ماذا تقرأ الآن؟
- انتهيتُ من قراءة كتاب العميد ليون ديجي "التطورات العامة للقانون الخاص منذ مجموعة نابليون". ولسوف أفاضل الآن بين كتاب "التجارة والتجار في الأندلس من عام 900 حتى 1500" لأوليفيا كونستبل. وكتاب "حالة ما بعد الحداثة" لدفيد هارفي؛ أيهما يكون له السبق في القراءة. وأراني سوف أرجح كتاب كونستبل.


■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
- أحب كثيرًا: حنان ماضي، وإلهام المدفعي، وجوليا بطرس، وفاديا الحاج، ومهدي رسولي، ودينا الوديدي. كما أحب أيضًا سماع جميع أعمال: رمازوتي، وبوتشيلي، وروجر وترز، ومارلي، وفريدي ميركوري. وأقترح أن نستمع سويًا لرائعة الموسيقار محمد عبد الوهاب "يا جارة الوادي".


بطاقة
باحث اقتصادي ومحام مصري من مواليد الإسكندرية عام 1972. ينصبّ عمله على تجديد علم الاقتصاد السياسي في العالم العربي، وقد أسّس ضمن هذا المشروع "مدرسة الإسكندرية" كتيارٍ فكري هدفه إحياءُ الاقتصاد السياسي بصفته علمًا اجتماعيًّا، وإعادةُ النظر في مسلَّماته ونظرياته. من مؤلَّفاته: "نقد الاقتصاد السياسي"، و"التبعية مقياس التخلُّف"، و"روَّاد الفكر الاقتصادي"، و"اقتصادات تنزف عرقًا"، و"الاقتصاد السياسي للتخلُّف".

وقفات
التحديثات الحية

المساهمون