وقفة مع جمال حيدر

وقفة مع جمال حيدر

02 ديسمبر 2021
جمال حيدر
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أسئلة حول انشغالاته وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه. "ما زال للمثقّف الحقيقي إمكانية التغيير. يغير نقطة نقطة، لكنَّها النقاط التي سَتَصنع الطُوفان تالياً"، يقول الكاتب والمترجم العراقي في حديثه إلى "العربي الجديد".

■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
يشغلني هذه الأيام دور المثقف العربي في منطقةٍ محتدمة. أؤمن إلى حدّ كبير بأن المثقّف هو الناطق باسم الصامتين، والمجبرين على السكوت في الأوطان المسوّرة بالعذاب. في يوم ما، لن يقول الناس إنّ الأزمنة كانت سيئة، بل سيشيرون بسبّاباتهم صوب المثقّف ويتساءلون: لماذا فضّل الصمت؟
ما زال للمثقّف الحقيقي إمكانية التغيير، لأنّه يصنع وقوده وأدواته. هذا يعني أنه يغيّر بكلِّ ثقة، لكن بصبرٍ عجيب، يغير نقطة نقطة، في بحرٍ واسع متلاطم، لكنَّها النقاط التي سَتَصنع الطُوفان تالياً.

■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
رواية بعنوان "أجنحة في سماء بعيدة" صدرت مؤخَّراً عن "دار لندن للنشر" في العاصمة البريطانية، تتناول تفصيلاً صغيراً من مشهد الانتفاضة الشعبيّة التي شهدها العراق عام 1991 ضدّ النظام الحاكم آنذاك. يتمحور العمل حول شخصيّات متناقضة المنابت والأقدار، تتَّخذ من مقبرة "وادي السلام" ــ المقبرة الأوسع على الكرة الأرضية ــ ملاذاً لها، هرباً من الأجهزة الأمنية، إضافة إلى علاقتها بالمكان: القبور الممتدّة على مرمى البصر تحت الشمس والغبار، والطرق الترابية الفاصلة بينها، وهديل الحمام، وظلال أشجار السدر الموزَّعة في مفارق المكان. تتواصل الأحداث في سياق البحث عن منفذ للهروب من المصير المفزع الذي يحاصر أيامهم.
العمل المقبل سيكون رواية، وستصدر عن ذات الدار مطلع العام المقبل، تستعرض الانفجار الإرهابي الذي استهدف مركزاً تجارياً في حيّ الكرادة في بغداد، مخلِّفاً ندوباً في قلوب الأحياء الذين فقدوا أحبّاءهم، وما زالوا يواصلون التحديق صوب واجهة المجمَّع المحترق بعد خمس سنوات بحسرة، تَلفُّهم فاجعة الفقدان. 

■ هل أنتَ راضٍ عن إنتاجك ولماذا؟    
كلّا... الرضا غاية لا تُدرك، هذه الغاية على بُعد مسافات قصيَّة مني، وهي تعني أيضاً أنك قد وصلت إلى حافّة الاطمئنان. ليس من اطمئنانٍ في الإبداع مطلقاً. فأنا على قلقٍ دائمٍ كأنَّ الريحَ تحتي، مثلما قال المتنبي.

■ لو قيّض لكَ البدء من جديد، فأي مسار كنت ستختار؟
لو... ما أجمل وأقسى هذه المفردة! لو قُيِّض لي البدء من جديد ــ علماً أن العودة إلى الوراء محفوفة بالمخاطر ــ سأختار عن قصٍد ذات المسار، وبشغف أكثر سِعة ورسوخاً، وسأختار، بيُسر، الحبيبة ذاتها أيضاً. الحياة قصيرة جداً، أقرب إلى ومضةٍ خاطفة، لهذا تستحقّ المغامرة. الندم لن يجدي نفعاً على ما مضى، والحاضر هو أغلى ما نملك.

سيشيرون بسبّاباتهم صوب المثقف ويتساءلون: لماذا فضّل الصمت؟

■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
أن يكون هذا العالم أكثر رَأفةً بنا. الرأفة هي وليدة شرعية للوعي، وهي بحاجة ماسّة إلى مناخات واسعةٍ من المحبَّة والاعتراف بالآخر المختلف. الرأفة المتجذِّرة بالبشر، تحترم الإيقاع البطيء للتطوّر، وهي بذلك على خلافٍ حقيقيِّ مع الحروب، والإقصاء، والحصارات، والقمع، والإذلال الذي تتعرّض له الإنسانية على مرّ العصور، ولا تزال.

■ شخصية من الماضي تود لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
الحُسين بن منصور الحلاج، الذي جعل من التصوّف العرفاني السبيلَ لإحقاق العدالة، ومعاداة التعسُّف والطغيان، وأداة فاعلة ضدّ السلطات الظالمة، مبتعداً عن الإيمان الفردي الذي يوشج العابد بالمعبود.

■ صديق/ة يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
الكثير من الكتب قرأتها مرّاتٍ عدّة، أعود إليها في مفاصل زمنيةٍ خاصّة، عديدة هي الأسباب التي تدعوني إلى العودة لها، ربما لأنّها تُذَكِّرُني بقيمة ما مرَّ بنا، وذلك الذي سيأتي. أعود مراراً إلى نتاجات ابن رشد، فنحن بأمس الحاجة إلى عقلانيَّتِهِ وانفتاحه في هذا الزمن المحاصر بظلاميَّة عجيبة.

■ ماذا تقرأ الآن؟ 
أعدت قراءة رواية "حجر الصبر" للأفغاني عتيق رحيمي. رواية صغيرة لكنّها بحجم وطن مستباح للحروب. جريئة بحقّ، كونها كسرت التابو في مجتمعات بطريركية تعتبر جسد الأنثى من المحرّمات.

■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
أعتقد أنّ على الكاتب، أيِّ كاتب، أن يُجيد الإنصات للموسيقى وإيقاعها، ليكتبَ تالياً جملته بإيقاعٍ متوازنٍ ودقيق. على الصعيد الشخصي يأسُرني الإنشاد الصوفي العرفاني، غالباً ما ينتشلني من حصار الحياة، إنّه المنقذ لما تبقّى لنا من حُلم. أسمعُ بشغفٍ تجلِّيات الفنان ظافر يوسف العرفانية وتمازُجَها الساحر مع الجاز. 


بطاقة
كاتب ومترجم عراقي من مواليد بغداد التي غادرها في النصف الثاني من عقد السبعينيات إثر ما تعرّض له اليسار العراقي. تنقّل بين منافٍ عدّة، ويقيم حالياً في لندن. حاصل على شهادة الماجستير في العلوم السياسية. توزّعت أعماله بين النقد والأدب والاجتماع والرواية وأدب الرحلات والترجمة: "الصيف الأخير - دراسة في نتاجات يانيس ريتسوس الإبداعية" (1997)، "بغداد - ملامح مدينة في ذاكرة الستينات" (2002)، "الغجر - ذاكرة الأسفار وسيرة العذاب" (2008)، "حكايات مدن بين الهامش والمدن" (2012)، "يانيس ريتسوس - الأعمال الكاملة/ المجلد الأول (ترجمة، 2016)، "يانيس ريتسوس - الأعمال الكاملة / المجلد الثاني" (ترجمة بالاشتراك مع عبدالكريم كاصد، 2016)، "الهيبيز - الجنس، الموسيقى، والمعرفة المضادة" (2017)، "إيروتيكا - يانيس ريتسوس" (ترجمة، 2018)، "يانيس ريتسوس - الأعمال الكاملة/ المجلد الثالث" (ترجمة بالاشتراك مع عبدالكريم كاصد، 2019) ، "الصيف الأخير - مختارات من أهم قصائد يانيس ريتسوس (ترجمة، 2019)، "المعنى والظل - في الأدب والفنون والمعرفة" (2019)، "يانيس ريتسوس - الأعمال الكاملة / المجلد الرابع" (ترجمة بالاشتراك مع عبدالكريم كاصد، 2020)، "حياة عائلة هندية"، لـ أخيل شارما" (ترجمة، 2021)، "أجنحة في سماء بعيدة" (رواية، 2021). 

وقفات
التحديثات الحية

المساهمون