كلّنا صامتون

كلّنا صامتون

06 يناير 2022
من مدينة أثرية في الأقصر (Getty)
+ الخط -

أمرٌ غريب يحدث للثقافة المصرية، وهو أنّه لا يحدث شيء. يبدو أنّ الثقافة المصرية باتت عاجزة تماماً عن تقديم أيّ جديد، وأصبح الأمر المسموح بالحديث فيه هو نجيب محفوظ، وأين سيستقرّ، ومع أي ناشر ستصدر طبعات جديدة من كتبه...

أليس ذلك غريباً، أن يصل الوضع الراهن في مصر العظيمة إلى هذا القدر من الجمود، لدرجة أنّنا نتحدّث عن ناشر نجيب محفوظ الجديد، ولا نتحدّث عمّا عدا ذلك؟ استغرق منّا هذا الأمر سنوات، منذ أن قرّرت ابنة محفوظ أن تنشر مجموعة قصصية عثر عليها الصحافي محمد شعير، ونُشرت لدى "دار الساقي" في بيروت. حدث هذا في عام 2019، وكان ذلك يمثّل الإرهاصة الأولى على أنّ "دار الشروق" تفقد كاتبها الأعظم؛ فقدَ مسؤولو الدار القدرة على إقناع ابنته بنشر الكتاب لديهم، والآن استحوذت داران: "هنداوي" و"ديوان" ــ المتحوّلة من سلسلة مكتبات إلى دار نشر ــ على أعمال محفوظ، فكيف حدث هذا التحوّل الكبير في المشهد الثقافي المصري؟

الجمود خيّمَ على الوسط الثقافي المصري. الجمود والصمت. ممارسات تحدث ولا أحد يتحدّث عنها: المعنيون، أقصد الناشرين، وبالطبع كاتب هذه السطور، إذ أعرفها ولا أستطيع البوح بها هنا لأنّني ببساطة لا أعرف مقدار الأذى الذي قد يقع عليّ أو على غيري، فالأفضل أن نصمت. كلّنا صامتون في مصر، ونتحدّث فقط عن نجيب محفوظ.

على المستوى الإبداعي والفكري، هناك غزارة ملحوظة في النشر الأدبي، هناك تحوّل جاد وأعمال جديدة تُطرح، واهتمام بفترات تاريخية، واهتمام أيضاً بكتب فكرية غير إبداعيّة. ظهرت أعمال عديدة لكتّاب مصريين تناولوا فيها موضوعات شديدة الأهمية في الأدب، مثل كتاب "طه حسين" للناقد والصحافي إيهاب الملّاح، وهو أيضاً اهتمّ بالتنظير الأدبي حول ما يُطرح من أعمال، فأصدر كتاباً آخر عن كتابات مصرية بعنوان "أجنحة السرد". أمّا الناقد السينمائي والأدبي محمود عبد الشكور، فواصل هو أيضاً الكتابة في مجال السينما، حيث أصدر كتابين، أحدهما عن داود عبد السيد، وأصدر روايته الأولى التي استحوذت على اهتمامي نظراً لتناوله ثيمة مطروقة بأسلوب أدبي ومعرفي مبهِر.

أمّا الحدث الأبرز ثقافياً فأعتبره الترهيب الثقافي الذي مارسه بعض الصحافيين المحسوبين على النظام المصري ضدّ دور النشر، ومحاكم التفتيش التي نُصبت من أجل تعقّب الكتابات التي يكتبها روائيون قد يُحسبون على تيّارات محافظة. لقد تسبّبت محاكم التفتيش التي نصبها وقادها أحد الصحافيين ــ أقلّ من أن يُذكر اسمه ــ بموجاتٍ من الرعب سكت بإزائها أغلب المشتغلين الكبار في الوسط الثقافي، أو تجاهلوها. وتزامن ذلك مع معركة أخرى نُصبت ضدّ فيلم "ريش"، قادها ممثّلون معروفون باحتفاظهم بعلَم مصر في مطابخهم، وهذا أمر غريب. وفي النهاية أصدرت الدولة ــ الرئاسة، وليست وزارة الثقافة المصرية ــ بياناً قالت فيه إنّها لا ترى في الفيلم ما يُسيء إلى سمعة مصر. لقد كان سؤال هذا العام الجوهريّ في مصر: كيف يسيء الفنّ إلى سُمعة بلد؟


* كاتب من مصر

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون