طائرٌ على السرير

طائرٌ على السرير

05 نوفمبر 2020
من عمل لـ حامد ندى
+ الخط -

1

يعزف الذي فقد أبناءه دون أن تطرف له عين
وأنا أضع يدي على رأس حبيبتي
ولا أعرف مِن أين جاء الألم
رغم أنّني أتبع الزعفران كالحمار الوحشي
لا الموسيقى الزرقاءُ تأخذني إلى الأبراج العالية
ولا أضع فمي على ركبتها 
وأهربُ من عاصفةٍ على بابها كلَّ يوم
وقد أُعطي لها قميصي
أو القيثارَ الذي ورثتُه من صديقتي الأولى 
بعد أن منعوها من زيارة المقابر
وقالوا خيالُها أبعد من القطارات وأقرب من الموز
ولكي أسمع صفيرَها المليء بالصقور وذبذباتِ الملاكم
وأغوي ورودَها الحمراء في الليل
لا بدّ من وترٍ مقطوع أو زيارةٍ من النافذة
دون أن ألمس النقوش
أو أقتل الطائر الذي على سريرها
فقد وهبتني نمنماتٍ أذكرُها في الفيضان الكبير
وأنا نائمٌ دون ألم.


2

بقفازاتٍ زرقاء
تقبض حبيبتي على صاحب التاج
الذي انصرف إلى أعماله في الأراضي البور
أو نام على قطيفةٍ حمراء
عليها طائرٌ يذهب وحده ويعود
وإلى أن تدركَ توتَه الأبيض
عليها أن تلقيَ حزام الصوف على المائدة
وتقصَّ الحشائش التي تعلو الملاك
بعد أن أهملَه رجل الصحراء
الذي ورث عن أبيه الخرائطَ والبوصلات
ولم يعرف أثر المحارب في ضحكاته على المقهى
إلى أن يأخذ النادلُ قبّعته
ويدعوه إلى الحجرة العالية
فيرى خوذةً مقلوبة يخرج منها النور
الذي مدحه (غينسبيرغ) في بكائه المقطوع
على ثقبٍ زاره الله
أصبح بين يومٍ وليلة
مأهولًا بالعطور والمطرودين من الجبال
ولا ينقص حبيبتي إلا تابوتٌ من الكتّان
يأخذها إلى خميرتها الأولى
وينفخُ في حبلها الممدود
إلى أن يظهرَ حامل الراية
ليسقيَ الورودَ والأزهار.


3

في الصحراءِ لم يجدوا لها قماطاً ولا ثلوجاً
وضحكوا من لُهاثها المقطوع
وقالوا: تنام على خشخشةٍ من الصوف
وترى قمراً له وجوه كثيرة
أحيانًا يأخذها إلى أشجار تحتها وُعول
ويتركُها وحيدة
وأحياناً يحملها إلى عاصفةٍ دون صندوق
فلا تستطيع الإشارة
ولا تعرف من يقبض على رأسها في الليل
فقط عواءات بعيدة
وإنذاراتٌ من هنا أو هناك
ويأتي الملاكُ على رأس من ذهبوا إلى حقول الموز
ويخلع خفّه أمام شدّاداتِ الصدر التي عثروا عليها 
دون أن يعرف نهدَ حبيبته
أو ظهرها المتروكَ للأصابع الطويلة
فقد أغمي عليه وصاح بين أصدقائه
لقد وضعوها في مصحّةٍ للعجائز
واتفقوا مع اللصوص على أقراطها
وأن يكون الخادمُ أولَّ من يزور الضحيّة
ولا يدخلُ من بابها إلّا تحت أقواس الجريد
والدفوفُ تزفّه في الليلة الأولى.


4

لها فراشاتٌ وأيقوناتٌ معلقة على الصدر
وتبكي وحدها في الحجرات الكبيرة
وتنسى يدَها على النافذة
وتذكر حبيبها باللحية البيضاء
وقد يأتي لها في الصباح ويأخذُها إلى حقول بعيدة
ويتركُ ظهرها للشمس تقبضُ على حشائشه
في ألمٍ لم يتعود عليه
وتفتح ثوبَها للأصابع
يكفي أن تراني على ملاءةٍ حمراء
وتأكل من خبزٍ تركه حاملُ الراية وذهب عالياً
لِينعسَ أمام التماثيل
ويصحو على أمطارٍ تبلّلُ معطفه
ويسمع خشخشةَ الملاك في الرمل
أو يدَع العاصفة على راحتها
لا قمحَ لك ولا أزهار
فمن يصرخ على الطيور في البراري
أو يعطي ظهره للقمر
لا قاربَ له
وأصابعي على وترٍ مشدود
وأحبُّ الملاك الذي يقطع شرياني في الليل
ويسمع حبيبي بتاجِه الخفيف يدورُ حول حجرتي
ويقطع الأزهارَ في طريقه
فإذا وصل المغنّي في بكائه المعتاد
وألقى قبّعتَه على الشجرة العجوز
أقوم على ركبتيّ في السرير دون أن تنقطعَ أنفاسي
ودون أن يهرب ذراعي كاملاً
بأصابعه القصيرة إلى منابع المياه.


* شاعر من مصر

نصوص
التحديثات الحية

المساهمون