صافية المرّية.. الهشاشة التي تقاوم الاستبداد

صافية المرّية.. الهشاشة التي تقاوم الاستبداد

28 يوليو 2021
من المعرض (Getty)
+ الخط -

تركّز الفنانة والكاتبة القطرية ــ الأميركية صافية المرّية (صوفيا الماريا) في أعمالها على تأثير التخطيط الحضري لمنطقة الخليج العربي بعد اكتشاف النفط، في محاولة لإبراز العناصر المدمرة للنزعة الاستهلاكية على الإنسان والمكان، وكيف تمّ استبدال التاريخ بفانتازيا تراثية في الذاكرة الجمعية. وتقدّم معالجات فنية تستند إلى مفاهيم من العمارة وعلم الجمال والثقافة الشعبية، كما تترجمها في معرضها "تاراكسوس" الذي افتتح في "غاليري سربنتين" بلندن في الحادي والعشرين من حزيران/ يونيو الماضي ويتواصل حتى الرابع والعشرين من نيسان/إبريل المقبل.

تعود المرّية إلى الهندباء التي تشبه زهرتها النجمة، من خلال دراستها لدورة حياة هذه النبتة التي استخدمت اسمها في اللغة اللاتينية عنوان معرضها، باعتبارها رمزاً للحرية والمقاومة حيث تستطيع كلّ بذرة أن تستجيب لعوامل المناخ المتغيّرة وتعمّر طويلاً، كما أنها تُزهر مرتين في الربيع والخريف. في مشروعها الذي بدأ عام 2019، كتبت الفنانة نصاً وأدّته كتمرين صوتي تأملي لعملية التنفس ترافقه موسيقى من تأليف كيلسي لو، ثم تطوّرت الفكرة من خلال تصميم فضاء تأملي يماثل خشبة المسرح يمكن للزوار أن يقفوا بين اثني عشر عموداً معدنياً تأخذ شكل بذور الهندباء والاستماع إلى التسجيل الصوتي، الذي يصدر من التركيب النحتي الذي مكن العزف على الأعمدة التي تم تغطية سيقانها بالنحاس.

تشكّل الأعمدة علامة النجمة التي ترمز إلى كسور بذور الهندباء، ونُقش في أسفلها نقش يحاكي الأداة الملاحية لرصد سرعة الريح، حيث تشير العلامة النجمية إلى إعادة الكتابة والمراجعة، وهي الثيمة الأساسية للعمل، الذي يوضع في مركزه قطعة مأخوذة من طائرة وهي مصنوعة من التيتانيوم؛ العنصر الكيمائي خفيف الوزن لكنه متين ومقاوم للصدأ في معادلة بصرية لبذور الهندباء أيضاً، والتي تبدو هشّة لكنها تبقى حيّة حين يحملها الهواء من مكان إلى آخر.

تتساءل الفنّانة عن المستقبل الذي ينتظر الإنسان في عصر الشركات

في مستوى ثانٍ، تذهب المرّية إلى فكرة الوقت حيث تشبَّه زهرة الهندباء بالساعة في الحضارات القديمة كالسومرية والبابلية، وهي تحيل إلى السفر عبر الزمن وانتقال الأفكار من جيل إلى جيل، ومن حضارة إلى حضارة، وفي مقدّمتها مناهضة العبودية والاستبداد، والقدرة على المقاومة والتحمّل.

يجمع العمل بين الأداء والموسيقى والصوت والنحت كما في معظم أعمال الفنانة السابقة التي تتجاوز فيها وسائط فنية متعدّدة، إلى جانب اتكائها على مرجعيات فلسفية وتاريخية وأدبية في الإضاءة على قضايا تعيشها المجتمعات ما بعد الاستعمار، وفي زمن هيمنة الشركات المتعدّدة الجنسيات وتدميرها للطبيعة والإنسان، والعنف الأبوي.

وتحمل أعمالها أيضاً انتقاداً للتكنولوجيا بوصفها وسيطاً يحلّ مكان المعاش اليومي، وينزع الروح من الحياة المعاصرة، وتضع الجماليات التي تقدّمها الآلة اليوم في موضع التساؤل حول المستقبل الذي ينتظر الإنسان في عصر سوريالي ومضطرب.

يُذكر أن صافية المرّية من مواليد عام 1983. نالت درجة البكالوريوس في الأدب المقارن من "الجامعة الأميركية" في القاهرة، والماجستير في الثقافات السمعية والبصرية من "جامعة لندن"، وهي تستند في معظم مشاريعها إلى نصوص جان بودريار وغي ديبور وآخرين.

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون