زلزال تركيا: تعليقاتٌ أدبية على الكارثة لا تمرّ دون أزمة

زلزال تركيا: تعليقاتٌ أدبية على الكارثة لا تمرّ دون أزمة

07 مارس 2023
مسعود هانسر يمسك يد ابنته التي قضت بزلزال مدينة كهرمان مرعش، 7 شباط/ فبراير الماضي (Getty)
+ الخط -

في هذه الأيام الصعبة التي تمرّ بها تركيا بعد الزلزال الذي ضرب جنوبها وشمال سورية قبل شهر من اليوم، يحتاج الجميع إلى دعم بعضهم بعضاً معنوياً. وبطبيعة الحال، فإن الكُتَّاب والشعراء والفنّانين والمثقّفين يتحمَّلون مسؤوليات كبيرة في ذلك.

في هذا السياق، نشرَت صحيفة "أكسجين" التركية، التي تصدر أسبوعياً منذ عام 2021، بعض الصُّوَر المتعلّقة بزلزال كهرمان مرعش، على حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، من بينها الصورة الشهيرة التي التُقطت في اليوم الأول، للأب الذي لم يَترك يد ابنته التي ماتت تحت الأنقاض. وقد أرفقت الصورةَ بالبيان التالي: "الصور ليس لها لغة، ولا يمكنها التحدّث. لكنّنا أردنا أن تُسمَع أصواتهم هذه المرّة. تركنا الكلمة لأساتذة هذا العمل: أيفر تونتش، بوكيت أوزنر، تونا كيراميتشي، أصلي بيركر، نديم غورسيل، إسماعيل غوزيلسوي، شبنام إيشيغوزال، وسيراي شاهينار، للتعليق على هذه الصور".

وقد علَّق الكتّابُ بتعبيرات مختلفة حول هذه الصور؛ حيث كتب الروائي نديم غورسيل عن الصورة التي تداولتها وسائل الإعلام العالمية للأب مع ابنته التي تحت الأنقاض: "البشر عاجزون عن مواجهة كلّ هذا. كنتُ مثل الرجل الذي ينظر إلى الحطام في الصورة، أشعر بالفضول حول تعبيرات وجهه، لكنّه كان ينظر نحو الكارثة، وليس إلينا. ما زلتُ أتخيّل شعوره. إنه عذاب كامل! نعم هو الجحيم! لقد تحرَّكت الأرض بالكامل. الشيء الوحيد الذي لم يحدث هو أن تمشي الجبال وتسقط النجوم على الأرض. ولكن ماذا سيحدث؟ عندما تلتئم الجروح، لن يُنسى الألم، بل سيصبح رماداً. وسيهمس العبد دائماً بنفس الكلمات في أذن الإمبراطور الروماني المنتصر: 'Memento Mori' (تذكّر أنّك ستموت)".

ثمانية كتّاب علّقوا بلغةٍ أدبية على صور دمار وضحايا

وعلَّق الكاتب تونا كيراميتشي على صورة أُخرى على النحو التالي: "هذه ليست صورة. إنّها لوحة جرى العمل عليها لمدّة أربعة وعشرين عاماً. ما يُتحدَّث عنه هو سوء حظ أهل الشرق. المرأة تنظر إلى الأرض لأنه لا يوجد مكان آخر تبحث فيه، والرجل ينظر إلى تقصيرنا. هذه اللوحة هي عمل خالد للبناء والسياسة".

وعلَّقت الكاتبة شبنام إيشيغوزال على الصورة الأكثر انتشاراً في وسائل الإعلام الدولية، للأب وابنته التي تحت الأنقاض: "امسكي يدي كما كنتِ تفعلين في الأيام الجميلة. لا تتركيني، لأنّنا سوف نسير على من حكموا علينا بهذه القبور. هل الموت يعطينا الغضبَ أم اليأس؟ لا يمكنكِ رفع هذا الركام الخرساني، لكن يجب أن تكوني قادرة على المطالبة بحقوقك. كلّنا نمسك هذه اليد بلا حيلة. اتّضح أنّ أحدهم دفننا أحياء في قبورنا. المزيد من المال، والرشوة، وإساءة استخدام السلطة. انظُري في الاتجاه الآخر، لا تنظري إلينا، الجميع يرى ألمكِ. أنتِ لا تشعرين بالبرد لأنّ اليأس نار عظيمة. لقد أحرقكِ اليأس وحوَّلكِ إلى رماد. امسكي يدي كما كنتِ تفعلين في الأيام الجميلة. أنتِ لا تصدّقينَ موتي، ولا تصدّقي ذلك. دعيني أعيش في الأيام التي لا يموت فيها أحد من الإهمال. دعيني أحلم، ولا يهمّ الموسم، فلنعُد إلى المنزل معاً يداً بيدٍ، بدون يأس وموت".

تباينت ردود الأفعال حول ما نشرته "أكسجين" ما بين مؤيد ومعارض. واعترض العديد من الكُتَّاب والشعراء على ما نشرته الصحيفة، ومن بينهم الكاتب والمترجم ماهر أونسال إريش، حيث كتب على حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي: "لقد خطرت الفكرة ببال أحدهم في الصحيفة، وشاركها مع الآخرين ثم جرى التواصُل مع المؤلّفين، وطُلِبت التعليقات، وجرى اختيار الصور بعناية، وإرسالها إلى الكُتَّاب، وجلسوا وكتبوا... ألم يقل أحدٌ لهم خلال كلّ هذه المراحل: ماذا نفعل؟ هل جننتم؟".

اتُهمت الصحيفة التي نشرت التعليقات باستخدام لغة تسويقية

وعلَّقت الكاتبة تاتشلي يازيجي أوغلو: "هل هي رومانسية الألم أم فنّ الألم؟ فقط لو لم تفعلوا هذا".

بعد ردود الفعل هذه، أدلى بعض الكُتَّاب الذين كانوا قد علَّقوا على الصور بتصريحات أيضاً، من بينهم تونا كيراميتشي، الذي كتب على وسائل التواصل الاجتماعي: "لا بأس للكتّاب أن يكتبوا مشاعرهم وأفكارهم. فالجميع يكتب، بعد كل حدث. لكن اللغة التسويقية المستخدمة من قبل الصحيفة كانت بغيضة للغاية. يجب على الصحيفة أن تعتذر لكلِّ من القرّاء والكُتَّاب الذين جرى وضعُهم في موقف صعب".

وأيضاً اعتذرت الكاتبة أيفر تونتش، التي شاركت في التعليقات على صور الزلزال في صحيفة "أوكسجين"، قائلة: "لن أغفر لنفسي أبداً، لأنّني اعتقدت أنّ طلب صحيفة 'أوكسجين' سيكون أملاً لمواجهة هذا الألم العميق. أنتم محقّون. لا بدّ أنّ الألم قد خدَّر ذهني. ليس لديّ أيّ كلمات".

بالإضافة إلى الكتّاب المعتذرين، أدلى نديم غورسيل ببيان قصير على مواقع التواصل الاجتماعي، وقال إنّ أفعاله لم تتطلّب أيّ اعتذار، وإنّه كتب مثلما كتب ناظم حكمت عن زلزال أرزنجان أو مثلما كتب شعراء وكُتَّاب آخرون عن الكوارث.

بعد تصريحات الكُتَّاب واعتذارات بعضهم، نشرت صحيفة "أكسجين" على وسائل التواصل الاجتماعي: "نعترف بوجود بعض التعبيرات الإشكالية في الإعلانات التي استخدمناها، ونعتذر عن ذلك. ومع ذلك، نعتقد أنّنا لا نستحق النقد القائل بأنّ 'أكسجين تحاول الاستفادة من الألم'. نأمل أن تتغيّر آراء قرّائنا الذين ينتقدوننا عندما يقرأون الصفحات الداخلية للصحيفة. لهذا السبب، جعلنا محتوى الصحيفة بأكمله مفتوحاً للقُرّاء على موقعنا، وسنواصل الانفتاح على جميع الانتقادات والآراء، وسنأخذها على محمل الجد".

نصوص
التحديثات الحية

المساهمون