رحيل حسين ماضي.. الأجساد والأشياء والخطوط المرسومة

رحيل حسين ماضي.. الأجساد والأشياء والخطوط المرسومة

18 يناير 2024
حسين ماضي (1938 - 2024)
+ الخط -

في أحد اللقاءات الصِّحافية معه، يتحدّث التشكيلي والنحّات اللُّبناني حسين ماضي عن علاقته بـ الألوان، مُستعيناً بلُغة المَجاز، ومُشيراً إلى أنّه، أحياناً، قد لا يجد الإنسان ماءً ليبلّ عُروقه به، ولكنّه يجدُ لوناً. وفي لقاءٍ آخر، نراه يذهب إلى تشبيه هذه العلاقة، بأنّ اللون عنده كالطَّعام تماماً، قد يضعه على قطعة خُبز ويتناوله. 

مساء أمس الأربعاء، رحَل حسين ماضي عن ستّة وثمانين عاماً، تاركاً وراءَه حياةً حافلة بالألوان والعصافير المُجرّدة التي ميّزت أعماله، وكذلك اللقب الذي اشتُهر به، أو بالأحرى أصرّ بعضُ الإعلام عليه، وهو: "بيكاسو الشرق"، إذ لم يُعرَف عن ماضي أيّ حماسة لعالَم الألقاب هذا، مُوفِّراً طاقته وجهده من أجل اللوحة فقط، فهي العالَم الوحيد الذي ظلّ ينتمي إليه.

الصورة
طيور - القسم الثقافي
"طيور" أكريليك على قماش، 2017

وُلد ماضي في بلدة شبعا، أقصى الجنوب اللبناني، عام 1938، وتدرّج في تعليمه قبل أن يتخرّج من "الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة" في بيروت عام 1962. بعدها انتقل إلى بغداد وقضى فيها فترة وجيزة، ثم سافر إلى إيطاليا حيث درس في "أكاديمية بيلي آرت" بروما، حيث أتقن الرّسم والنحت والطّباعة، إضافة إلى تعلّمه فنون الفرسكو (التصوير الجصّي) والموزاييك والغرافيك في "أكاديمية سان جياكومو" بالعاصمة الإيطالية؛ وبهذا كان عقدُ الستينيات منطلَقاً لمشواره الفنّي الذي تواصل لستّة عقود.

تأثّر بنزعات الحداثة ودمجها بزخارف مستلهمة من التراث الإسلامي

زمنُ الانطلاقة ذاك ترافق مع انتعاشة الأفكار الحداثية على أكثر من مستوىً محلّيّ ودولي، وهذا ما انعكس على أعمال ماضي الأولى، ما جعله أحد أبرز الأسماء التشكيلية العربية التي شقّت طريقها إلى العالمية. لكنّ تلك الرؤية الحداثية التي استلهمت تكعيبية بيكاسو (1881 - 1973) وتأثّرت فيها؛ وخطوط وزخرفات هنري ماتيس (1869- 1953)، لم تكن لتتطوّر لولا اعتماد تأصيل صاحبها لها بزخارف وفنون التراث الإسلامي.

قوارب - القسم الثقافي
"قوارب"، أكريليك على قماش، 2008

زيّنت جملةٌ من الموتيفات الطبيعية لوحة ماضي، حيث ظلّت الأشياء (الطيور والأحصنة وأكواز الرمّان وغيرها) تندمج بخلفيّات تبدو مشغولة على هيئة أوراق النباتات، أو فضاء مفتوح على طبيعة لُبنانية. لكن ما يُمكن ملاحظته بوضوح في لوحته، أنه حين يرتفع منسوب التجريد فيها، تُصبح حتى الجمادات مصطبغةً بشيء من الحركة.

ربما يعود هذا إلى قوّة الترميز في تصويره، فضلاً عن تحدّي التوليف بين النزعات الحداثية وتجديد التراث المشرقي، وبهذا الفَهم أنجز مرحلة الدراسات العُليا بأطروحة عن "منشأ وتطوّر الخطّ العربي: الخطّ العربي فنٌّ قائم بذاته مع صُور إيضاحية".

الصورة
حسين ماضي ـ القسم الثقافي
عمل بلا عنوان، 2021

على مستوى آخر فُتِن الفنّان اللبناني بالخطوط وجعلها تهيمن على تشكيل الأجساد في لوحته، وهذا ما انسحب على حضور المرأة فيها الذي جاء متنوّعاً وفريداً، ورغم أنّ طابع الوحدة والغموض يغلبُ على تمثيلها، لكنّها سرعان ما تتحوّل - بفضلِ ريشته - إلى أيقوناتٍ. يستغرق ماضي في إظهار التفاصيل، فلا نجده يكتفي برَسم بورتريهات لنسائه، بل يتوسّع معهنّ في استحضار الخطوط المُنحنِية التي تمتدُّ وتقف عند زوايا حادّة؛ فمنها ما يُمثّل تقطيع الجفون، ومنها ما يَصل الأطراف بالجذوع، أو يُقاطع الأشياء بالأجساد. 

أقام ماضي أكثر من ستّين معرضاً فرديّاً، خلال مسيرته، بالإضافة إلى مشاركات دوليّة عديدة في مصر والكويت وأميركا وإيطاليا وفرنسا بريطانيا واليابان. كما تصدّرت أعماله عدداً من المجموعات الفنّية الموجودة في متاحف ومؤسسات عالمية، مثل "المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة"، و"المتحف البريطاني" في لندن، و"مؤسسة رمزي وسائدة دلّول للفنون"، و"متحف سرسق" في بيروت.
 

المساهمون