رحيل جاذبية سرّي.. لوحة عن النساء والواقع

رحيل جاذبية سرّي.. لوحة عن النساء والواقع

11 نوفمبر 2021
(جاذبية سري)
+ الخط -

في إحدى لوحاتها الشهيرة، ترسُم الفنّانة التشكيلية المصرية جاذبية سِرّي، التي غادرت عالمنا أمس الأربعاء، ستَّ نساء: ثلاثٌ منهنَّ عاريات يجتهدن في جذب جَملٍ يحمل هودجاً في شكل هرَم (ربّما في إحالةٍ إلى مقابر الفراعنة في مصر القديمة) تُطلُّ من داخله ثلاث نساء منقّبات. وفي أعلى اللوحة، يَظهر ذكرٌ مفتول العضلات يُحاول إزاحة صخرةٍ تعترضُ طريقهن.

تحمل اللوحة، التي رسمتها سرّي عام 1949، عنواناً مباشراً هو "تحرير المرأة" (1949)؛ تحريرها من سلطةِ التقاليد الموروثة أوّلاً. يُخبرنا وجودُ الذكر مفتول العضلات بأنَّ على الرجُل أنْ يُؤدّي دوراً إيجابيّاً في تلك المهمّة. لكنّه، في هذه الحالة، سيُذكّرنا أيضاً بأسماء تشكيليّين انحازوا إلى المرأة في لوحاتهم؛ مثل: صبري راغب، ومحمود مختار، ومحمود سعيد، وحامد ندا، وعبد الهادي الجزّار.

منذ ظهورها في المشهد التشكيلي المصري نهايةَ أربعينيات القرن الماضي، راحت جاذبية سرّي (1925 - 2021) تخطُّ طريقاً مختلفاً وسط الأنماط والقوالب الفنّية التي كانت سائدة في عصرها. بدا أنّنا أمام لوحةٍ أكثر واقعية، وأكثر انحيازاً إلى هموم الناس بشكلٍ عام، والمرأة على نحوٍ خاص.

لم يكُن المشهدُ ذكورياً تماماً؛ فقد كان للمرأة حضورُها البارز فيه منذ "صالون القاهرة" الأوّل عام 1921. وفي هذه الفترة التي شهدت احتدام النقاشات حول المساواة بين الجنسين، أي بين الأربعينيات الخمسينيات، ستبرُز مجموعةٌ مِن الأسماء النسوية الرائدة، تُقارب كلٌّ منهن موضوع المرأة من زاويةٍ مختلفة؛ فإن كانت تحية حليم (1919 - 2003) قد ركّزت على رسم نساء النوبة، ورسمت إنجي أفلاطون (1924 - 1989) أعمالها ضمن أجواء سوريالية، واتّخذت زينب السجيني (1930) من المرأة محوراً لأعمالها، فإنَّ جاذبية سرّي، التي وُلدت في حي بولاق بالقاهرة وعاشت مع أُمّ أرملة وجدّة مطلّقة، ستنشغل أكثر بحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية ونقد النظام الأبوي والإمبريالية الغربية.

لم تغب السياسة عن لوحة سرّي، التي حصلت على دبلوم في الفنون الجميلة عام 1948 وأكملت دراساتها العليا في باريس وروما ولندن وأقامت قرابة ثمانين معرضاً في عواصم عربية وأجنبية واقتنت لوحاتها كبريات المتاحف العالمية. رسمت عن حياةٍ تتأرجح بين النصر والهزيمة والكرامة والإذلال والعدالة واللامساواة. لكنَّ اللافت، كما تُشير الناقدة الفنّية فاتن مصطفى كنفاني في إحدى دراساتها، أنّ أعمال سرّي كثيراً ما تُقارَب مِن زاوية اللون لا غير، من دون التطرُّق إلى حمولاتها الاجتماعية والسياسية. في لوحة لها بعنوان "الهزيمة" (1967)، رسمت جاذبية سُرّي نفسها في زاويةٍ من مشهَدٍ خرب تتأمّل الحقيقة. كان ثمّة هرمٌ في الخلفية يذكّر بتاريخ البلد، بينما تُخبرنا ملامحها عن مزيج من الشعور بالخزي والاعتداد بالنفس في آن.

المساهمون