رحيل الشاعرة الألبانية إدي شكريّو: في انتظار الفردوس الأرضيّ

رحيل الشاعرة الألبانية إدي شكريّو: في انتظار الفردوس الأرضيّ

22 يناير 2023
إدي شكريّو (تصوير: إليمدينا عرابي)
+ الخط -

تُوفّيتْ، يوم االثلاثاء الماضي، السابع عشر من كانون الثاني/ يناير الجاري، الشاعرة والأكاديمية والناشطة النسوية الألبانية إدي شكريّو (1950 ــ 2023) التي تختزن أشعارُها تجربةَ جيلها الذي عايش تطورات متسارعة خلال عقود في ظلّ شعارات كبيرة صاحبت تأسيس يوغسلافيا التيتوية في 1945، ثم انهيارها بين عامَي 1991 و1999؛ ولكنّ تلك الطموحات والانهيارات بقيت تحمل التطلّع إلى ما هو قادم ولم يتحقّق: الفردوس الأرضيّ.

وُلدت إدي شكريّو في مدينة بريزرن، عاصمة الولاية العثمانية التي حملت اسمها، لأبٍ مؤرّخ (محمد شكريّو) كانت له مكانته وبصماته في المدينة نظراً لاهتمامه بتراثها العمراني. ويبدو أن تخصُّص الوالد دفع الشابّة الموهوبة بالشعر إلى دراسة علم الآثار في "جامعة بلغراد"، حيث تابعت دراستها العليا، لتعود إلى بريشتينا عام 1974 للعمل في "متحف كوسوفو"، وتكون بذلك أوّل باحثة في الآثار ببلادها. وفي عام 1979، ستنتقل للعمل في قسم التاريخ بـ"جامعة بريشتينا"، حيث درّست عِلم الآثار والتاريخ القديم، وقامت مع طلّابها بحفريات كثيرة أفضت إلى اكتشافات أثرية عدّة، وثّقتْها في مؤلّفاتها.

ولكنّ إدي شكريّو دخلت التاريخ الثقافي لكوسوفو من باب آخر: باب الشعر والمسرحية والرواية. الراحلة، التي كانت تنتمي إلى الغالبية الألبانية في كوسوفو ــ وهي غالبية حُرمت من حقوقها الثقافية في يوغسلافيا الملكية (1918 ــ 1941)، كانت تنتمي إلى الجيل الأوّل الذي تعلّم باللغة الألبانية في المدارس والجامعات وأبدع في هذه اللغة "الأدب الألباني في يوغسلافيا"، التي كانت تحتضن حوالي نصف الألبان في البلقان. ومن هنا دخلت إدي شكريّو التاريخ الثقافي بكونها صاحبة أوّل ديوان شعر نسويّ في اللغة الألبانية، صدر عام 1972 بعنوان "هذا االمساء يحتفل قلبي".

كانت صاحبةَ أوّل ديوان شعر نسويّ في اللغة الألبانية

بدأت إدي شكريّو كتابة الشعر ونشره في المجلّات الأدبية خلال دراستها مع بنات جيلها اللواتي اشتهرن أيضاً في نهاية ستينيات القرن الماضي، مثل فلورا بروفينا وسعاد إمر الله وشهرزاد شكريلي وغيرهنّ، وسبقت هؤلاء برحيلها أيضاً. وعلى الرغم من انشغالاتها الأكاديمية، فقد حافظت باستمرار على نشاطها الأدبي، مع انفتاحها أيضاً على المسرحية والرواية. وهكذا، فقد أصدرت لاحقاً كلّاً من "محكمة" (1978) و"أسطورة منطقة هاس" (1980) و"تحت السماء" (1990)، التي نالت عنها "جائزة اتحاد الكتاب"، إضافة إلى "خلود" (2001) وغيرها من المسرحيات، في حين نشرت روايتها الوحيدة، "المرآة المكسورة"، عام 2015.

تُرجمت أشعار الراحلة إلى عدّة لغات، ومن بينها العربية، حيث وردت في عدّة مختارات، منها "مختارات من الشعر الألباني المعاصر" (دمشق، 1981)، و"مختارات من الشعر الكوسوفي المعاصر" (عمّان، 2009)، كما شاركت بمجموعة أشعار مترجمة جديدة في المهرجان المتوسطي للشعر "أصوات حيّة"، الذي عُقد عام 2013 في مدينة الجديدة المغربية.

وإلى جانب الأدب، برزت إدي شكريّو، بقوّة، كناشطة نسوية في مجتمع متغيّر من الإرث العثماني إلى ما بعد الشمولي، بقي فيه حضور المرأة خافتاً على الرغم من الشعارات الكبيرة التي كانت تحكم الواقع. وهكذا، شاركت في الحياة السياسية على أمل قيادة التغيير في المجتمع لصالح النصف الغائب أو المغيَّب (النساء)، فشاركت في 1989 في تأسيس أوّل حزب ديمقراطي ("الرابطة الديمقراطية") قبل تفكّك النظام الشمولي، ثم أسّست "حزب البديل الديمقراطي" ورأسته بين عامي 2004 و2013، وهي الفترة التي أصبحت فيها (2012) أوّل امرأة تدخل "أكاديمية العلوم والفنون" الكوسوفية.

عُرِّب بعضٌ من قصائدها في مختارات صدرت بدمشق وعمّان

في أشعار إدي شكريّو، منذ المجموعة الأولى وحتى الأخيرة، تبرز بشكل واضح نزعتها الإنسانية، ويبرز سعيها إلى إسماع الصوت المغيَّب للنصف المغبون من المجتمع، وتعبيرها عن الإحباط من طول الانتظار تحت الشعارات الكبيرة عن "الفردوس الأرضي" الذي وعدت به الاشتراكية ثم الديمقراطية الجديدة...

هنا ترجمةٌ لعددٍ من قصائدها.


الميزان

عجيبةٌ هي مقاييس الإنسانية
آلهةُ المصلحة تحمل الميزان
أمّا العدالة فتتسوّل جاثيةً.


■ ■ ■


الأغبياء

كيف يمكن
أن تمرّ عبر براثن الموت
أن تراه بعيونك وأن تلمسه بأجفانك
أن تستمرّ في ذلك
وأن تبدو لك النجاةُ
في الإغماض الدائم للعيون؟

كيف يمكن
أن تطمع بالسكتة القلبية كراحةٍ مرغوبة
وأن ترغب أيضاً بالتمتُّع بشعاعٍ
فقط بشيءٍ
من شعاع الشمس؟

أن تأمل في أن تبقى حيّاً مرّةً أُخرى
حيّاً فعلاً
وألّا تفكّر بأيّ شيء
بأيّ وقت؟

آه، كيف بقينا
أغبياءَ إلى هذا الحدّ
كيف لم ترفع صوتك
وتموت حقّاً؟


■ ■ ■


في اليوم العالمي للشعر

لا تبحثوا عنّي
في اليوم العالمي للشعر.

بين يديّ
ثروة من القطط
وسط الغرفة.

هكذا كان أسلوبُها
في الاحتفال
بيوم الشعر.

هذا ما كان بوسعها
هذا ما فعلته.


■ ■ ■


أختي العزيزة

يسعى الفرح
إلى أن يصلكِ في طرف العالم.

ينجو الخبر من القداسة

ربما لا يوجد لدينا مثل "أوبرا سيدني"
ولا شركات سياحية تنظم برامج "زيارة الفردوس"
لكي نُشاهد فردوس الأرض.

فرحُنا يحمل رائحة التراب
حين نكتشف الآلهة الداردانية ديان
والشمس التي تركتها رهينة.

أختي 
حاولي أن تفهمي
فرحَنا الكبير
يمكنكِ، أعرفُ، يمكنكِ ذلك
إلى أن تنطلقي بحرقةٍ
نحونا.


■ ■ ■


من رحِم الأرض

من رحم الأرض
ينبع الألم المنبعث

تصدح الأعماق
صبراً... صبراً...

لنصلّي كي يعمّ النورُ الطريقَ
وتنفتح الدروبُ أمام الهائمين

صبراً!
صاحت الأم بصوت حزين
صبراً، مزيداً من الصبر
فالليل طويل
وضوء الفجر سيتأخّر.

صبراً!
نجدها في تهويدات الأطفال
نجدها في العين الخيّرة
التي تترك الدروب منارةً
حتى تُهلك الأشرار.

صبراً!
يفيض الحليب من الصدر المختلج
لكي لا ينبثق الدمُ من العروق.

من رحِم الأرض
تفيض الحكمة:
للصبر حدود.

■ ■ ■


التضحية

طال الانتظار من الله
طال كثيراً
أن يتجلّى
أن يجلب الفردوس إلى الأرض

القلائل الذين رأوا
الله في أنفسهم، دخلوا في دولاب الحياة
ليحرّكوا الإنسانية

تضحيتُهم
هي الأملُ

بالفردوس في الأرض.


(كاتب وأكاديمي كوسوفي سوري)

المساهمون