رحيل أنطون الرُّفات..اسمٌ عربيٌّ جريح كتب قصة كوبا

رحيل أنطون الرُّفات..اسمٌ عربيٌّ جريح كتب قصة كوبا

23 مايو 2023
الكاتب الكوبي أنطون الرُّفات في بيته في الهافانا، 15 أيلول/سبتمبر، 2022 (Getty)
+ الخط -

يعتبر الكثيرون الشاعر والروائي والمسرحي الكوبي أنطون الرُّفات؛ الذي رحلَ عن عالمنا الأحد الماضي في مدينة هافانا، عن عمر يناهز السابعة والثمانين،، أعظمَ كاتبٍ معاصر في كوبا. ولد أنطون الرُّفات مراد Antón Arrufat Mrad عام 1935 في سانتياغو دي كوبا، ثاني أكبر مدينة في الجزيرة، لأبٍ كتلاني يحيل اسمه الثاني إلى أصل عربي وأمِّ من أسرة عربية مهاجرة من بلاد الشام. في سن الحادية عشرة، انتقل مع عائلته إلى العاصمة هافانا لمواصلة دراسته، وتخرّج من جامعتها في عام 1979 حاصلاً على إجازة في الآداب.

بدأ الرُّفات مسيرته الأدبية كمحرر في جريدة "اثنين الثورة"، وهي الصحيفة التي أدارها الكاتب والناقد الكوبي غييرمو كابريرا إنفانتي (1929- 2005)، ولكن السّلطات الكوبية أغلقتها عام 1961، بسبب خطّها "المعادي لنهج الثورة". ألّف الرُّفات العديد من المسرحيات والروايات والمجموعات الشعرية، وكان متعدّد المواهب، إذ كتبَ الشعرَ والقصة والمقالة الأدبية.

إلّا أنّ عمله الذي سيجلب له الشهرة والمتاعب، على حدٍّ سواء، سيكون مسرحية "سبعة ضد طيبة" (1968)، والتي عُدت النسخة الكوبية عن مأساة أسخيلوس اليونانية، حيث يستحضر الكاتب الكوبي الأسطورة اليونانية لكي ينتقد ممارسات الثورة، متحدثاً عن الحياة السياسية ورمزيتها في كوبا، خلال تلك الحقبة. 

اعتبَر أنّه نضج مع كوبا، كل منهما على طريقته الخاصة

وعلى الرغم من أنَّ مسرحيته نالت الجائزة الأدبية لاتحاد الكتاب والفنانين في كوبا في العام نفسه، إلّا أنه سيعاني بسببها - وبسبب نقديته وميوله الجنسية أيضاً - من فترة طويلة من النبذ الثقافي. يقول الكاتب الذي لم يفقد اعتداده وحسّه الساخر الرقيق: "حسناً، لم أستطع التحدّث عبر الهاتف، لم يكن بوسعي استقبال أي شخص. في أحد أيام العمل، عندما وصلت مبكراً، اكتشفت العقوبة التي أنزلوها عليّ: اختفى اسمي ككاتب من كتالوغات المكتبة، كذلك الأمر بالنسبة لكتبي. لقد اختفت كلّها. كانت إحدى حيلهم لجعلها غير موجودة. أرادوا إلغاء وجودي أيضاً. لم يعرف أحد آنذاك أنني كنتُ هناك، وإن سأل أحدٌ عني فكانت الإجابة، بطبيعة الحال، لست موجوداً". 

هكذا أُجبر صاحب دواوين "مراجعة أخيرة" (1964) "والعجوز النجار" (1999)، على العمل في قبو المكتبة البلدية لمدة أربعة عشر عاماً. لم يقدر حينها على نشر أي نصٍ، ولم ينطبق هذا الأمر عليه فحسب، بل شمل كتاباً ومفكرين كوبيين آخرين، عارضوا، بشكل أو بآخر، فرض النموذج السوفييتي على الجزيرة.

ظلّت مسرحيته "سبعة ضد طيبة" ممنوعة من العرض لمدة أربعين عاماً في كوبا، إلى أن عُرضت لأول مرة على خشبة مسرح ميلا في هافانا عام 2007. اعتبر الكاتب وقتها السماح بعرض المسرحية نوعاً من تصحيح الأخطاء التي ارتكبتها المؤسسات الكوبية في فترة ما، وأمِلَ عدم تكرارها. 

وكان قبل ذلك قد نالَ في عام 2000 "الجائزة الوطنية للآداب"، وهي أعلى وسام أدبي يحظى به كاتب في كوبا، لأنّها غالباً ما تعني تغييراً هاماً في أوضاع الكاتب الاقتصادية، لا سيّما إذا كنّا نتحدث عن كاتبٍ قضى معظم حياته الأدبية منبوذاً، لأنّه اتُهم بـ"خيانة المُثل العليا للثورة". 

ظلّت مسرحيته "سبعة ضد طيبة" ممنوعة من العرض لمدة أربعين عاماً

ترك الرُّفات وراءه رصيداً كبيراً من الإنتاج الأدبي في الرواية والمسرح والشعر. من أعماله الروائية نذكر: "الصندوق مغلق" (1984) "وليلة المتشائم" (2000)؛ أمّا في مجال الدراسات الأدبية، فنذكر له: "الأشياء الصغيرة" (1988)، و"فيرخيليو بينيرا، هو وأنا" (1995). 

على الرغم من فترة المنفى التي عاشها داخل وطنه الأم، اعتبر الرُّفات نفسه أنّه نضج مع كوبا، كل منهما على طريقته الخاصة. على الرغم من أن نضوج بلده قد سبب له المتاعب: "بلا شك أنا كاتبٌ كوبيٌّ يكتب في كوبا ويموت فيها. أنا هافانيٌّ جداً، وهافانا مدينة صنعت من أجلي؛ لا يمكنني العيش في أي مكان آخر". 

المساهمون