ذكرى ميلاد: إدوار الخراط.. انقلاب على الواقعية الاجتماعية

ذكرى ميلاد: إدوار الخراط.. انقلاب على الواقعية الاجتماعية

16 مارس 2021
(إدوار الخراط، 1926 - 2015)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، السادس عشر من آذار/ مارس، ذكرى ميلاد الروائي المصري إدوار الخراط (1926 – 2015).


في كتابه "الحساسية الجديدة.. مقالات في الظاهرة القصصية" (1993)، يرى إدوار الخراط "أن تحطيم (الواقع) القومي والاجتماعي على نحو خشن، بكارثة 1967، أفضى إلى أن الاتجاهات الحداثية حلّت الآن محلّ المنحى الواقعي القديم الذي عفا عليه الزمن تقريباً، والذي كان وما زال نجيب محفوظ بطله ونصيره".

ينطلق الروائي المصري (1926 – 2015) الذي تحلّ ذكرى ميلاده اليوم الثلاثاء، هنا، في عملية انتقالية في الأدب المصري بعد نحو أربعة عقود من كتاباته السردية في هذا الاتجاه، وكأنه تنظير يأتي خلاصة مسار تطبيقي طويل ومعمّق، والتي يلخّص تقنيتها بالإشارة إلى أنها كسر الترتيب السردي الاطرادي والذي يبرز جلياً في روايته "راما والتنين"، وتحطيم سلسلة الزمن السائر في خطّ مستقيم، وتراكب الأفعال: المضارع والماضي والمحتمل معاً.

دعا إلى تدمير سياق اللغة السائد المقبول واستخدام صيغة "الأنا" لا للتعبير عن العاطفة والشجن بل لتعرية أغوار الذات

كما يلفت إلى تهديد بنية اللغة المكرسة، ورميها - نهائياً - خارج متاحف القواميس، وهو ما يندرج ضمن بحثه في "اللغة الرؤية"، إلى جانب توسيع دلالة "الواقع" لكي يعود إليها الحلم والأسطورة والشعر، ومساءلة – إن لم تكن مداهمة – الشكل الاجتماعي القائم، وتدمير سياق اللغة السائد المقبول، واقتحام مغاور ما تحت الوعي، واستخدام صيغة "الأنا" لا للتعبير عن العاطفة والشجن بل لتعرية أغوار الذات، وصولاً إلى تلك المنطقة الغامضة، المشتركة، التي يسميها "ما بين الذاتيات"، وفي هذا النقطة الأخيرة يتكّثف انتقاده لتلك النزعة الرومانسية الممزوجة بالواقعية التي عبّر من خلالها الكتّاب المصريون عن مشاعرهم الذاتية وحالاتهم الشعورية في أعمالهم على مدار عقود.

ويصر الخراط في هذا الكتاب إلى هذه التقنيات ليست شكلية، ولا تعبّر عن مجرّد انقلاب شكلي في قواعد ما يطلق عليه "الإحالة على الواقع"، بل هي "رؤية، وموقف، وإن كان ليس ثمة انفصال، ولا تفريق بين الأمرين، بطبيعة الحال"، وهو لا يعزل تنظيره حول الحساسية الجديدة عن التطور الاجتماعي والتاريخي من خلال استعراضه أحوال الكتابة في مصر منذ الأربعينيات وحتى الثمانينيات.

حالة الافتراق كانت وليدة وعي متراكم للروائي المولود في الإسكندرية، ومثّل تياراً رافضاً للواقعية الاجتماعية خلال خمسينيات القرن الماضي، وأتت مجموعته القصصية "الحيطان العالية" (1959) في سياق تقديمه شخوصاً يغوصون في التعبير عن مشاعر الخيبة واليأس والعجز لكن دون أن تنفصل عن واقعها الاجتماعي، وسيكرّس أسلوبه في مجموعته الثانية "ساعات الكبرياء" (1990).

لم يكتف صاحب رواية "الزمن الآخر" بكتاباته النظرية حول رؤيته الفنية، التي بدت متماسكة وصلبة في طروحاتها وتمثيلاتها على المشهد الأدبي، بل أدى دوراً محورياً في خلق حركة إبداعية جديدة منذ نهاية السبعينيات، تهدف إلى رفض الحساسية التلقيدية بوصفها نظام قيم سائد يفترض تغييره بقيم جديدة كان حذراً في التنظير لها على اعتبارها "نظاماً جديداً".

ترك الخراط العديد من الروايات، منها "أضلاع الصحراء"، و"يقين العطش"، و"الغجرية ويوسف المخزنجي"، و"اختراقات الهوى والتهلكة"، و"أبنية متطايرة"، و"ترابها زعفران"، وعدّة مجموعات قصصية مثل "اختناقات العشق والصباح"، و"مضارب الأهواء"، كما قام بترجمة أربعة عشر كتاباً إلى اللغة العربية، وعدد من المسرحيات والدراسات.

المساهمون