حياتنا بعد الخمسين

حياتنا بعد الخمسين

02 يوليو 2021
عمل لـ محمد عمر خليل / السودان
+ الخط -

حين وصل كتاب سلامة موسى "حياتنا بعد الخمسين" إلى الأسواق السورية، عام 1974، مطبوعاً في سلسلة "اقرأ" التي كانت تصدرها "دار المعارف"، كنتُ قد قرأت كتاب غالي شكري "سلامة موسى وأزمة الضمير العربي"، وهو عنوانٌ جميل يتّكئ على عنوان كتاب بول هازار الشهير "أزمة الضمير الأوروبي"، كما يشير إلى ذلك غالي شكري نفسه في المقدّمة.

كان سلامة موسى يمثّل في تلك السنوات الخطّ الراديكالي المميّز في الثقافة العربية، وقد اختار أن يكون في الجانب المعارض الشجاع لمعظم ما تمثّله الثقافة التقليدية المحافظة والجامدة في الحياة العربية. وهو صاحب "الحياة والأدب"، و"تربية سلامة موسى"، و"كتاب الثورات"، و"مقالات ممنوعة"، و" حرية الفكر" ــ وهي عناوين تنشغل بأكثر المسائل الحيوية التي كانت تشكّل البوّابة الطبيعية لجيله من الكتّاب الذين اختاروا المستقبل وقضايا البناء من أجل المستقبل. والراجح لدى عدد من النقّاد، ومن بينهم غالي شكري نفسه، أن شخصية عدلي كريم، في ثلاثية نجيب محفوظ، إنما كانت الصورة الروائية لسلامة موسى، كما يمكن الاستنتاج من حياة نجيب محفوظ نفسه.

طفَح الفساد بالحياة العربية حد إغلاق الباب أمام بذور التفاؤل

أعتقدُ أن روائياً مثل محفوظ نفسه ما كان ليسجّل حضوراً فنياً لشخصية من العالم الواقعي لولا الأثر الفكري العميق الذي تركه في نفسه حين التقى به في شبابه.

هذا هو الكاتب الذي سوف يُصدر فيماً بعد كتاباً يتحدّث فيه عن الكهولة، كما يمكن أن يتخيّل المرء حين يرى العنوان. والحقيقة أنه بدا غريباً، بالنسبة إليّ، أن ينشغل كاتب نهضوي ــ يتّسم شغله بالتنوير ـــ بالكلام عن مسألة شخصية مثل تقديم النصائح لحياة المرء بعد الخمسين.

غير أن الكتاب كان يتّخذ سِمتين اثنتين: الأولى أنه كان يمثل اتّجاهاً في الكتابة، يتّخذ فيه الكاتبُ دورَ المعلّم والمرشد والداعية، بحيث لا يَغفل عن أيّة قضية من القضايا التي يمكن أن تساعده في عمله التنويري، ومنها قضايا السلوك العامة والخاصّة التي يجب أن تُتَّبع في حياتنا كي نتمكّن من توجيه خياراتنا الجديدة في عالمنا. والثاني أنه اختار أن يتجاوز مسائل الغذاء، دون أن يُهملها تماماً، ويركّز كتابته على الكيفية التي يستطيع من خلالها البشر تحقيق البقاء النشِط والحيّ، على صعيد الحياة والفكر.

المتتبّع لكتابات الكثير من الكتّاب العرب، وخاصّةً في مصر، إبّان النصف الأول من القرن العشرين (خذ عبد القادر المازني أيضاً) سوف يلاحظ هذا الاهتمام باليومي والعام في الوقت نفسه.

أظنّ أنها سِمةٌ تنويرية تمثّل ما كانوا يؤمنون به فعلاً، إذ كانت الحياة أمامهم، وكان المستقبل هدفاً حقيقياً يمكن أن تطاوله أيديهم، وكان الأمل هو "ألّا نستقيل من الحياة"، كما قال سلامة موسى في مطلع كتابه. اختفى اليومي من جدول المكتوب في حياتنا الآن تقريباً، فإمّا أن الانشغال بالكتابة عن الصدق والكذب والحسد والرشوة والنفاق وكيف تعيش يومك؟ ــ مشاغل صغيرة لا تليق بالحبر ــ أو أن الحياة العربية قد طفح فيها الفساد إلى حدود إغلاق الباب أمام البذور الممكنة للتفاؤل بالآتي.


* روائي من سورية

المساهمون