جيورجو دي شيريكو.. الإيطالي الذي أخذ يعيد تركيب العالم

جيورجو دي شيريكو.. الإيطالي الذي أخذ يعيد تركيب العالم

14 أكتوبر 2020
من أعمال دي شيريكو ضمن المعرض، 1913
+ الخط -

ليست "المدرسة الميتافيزيقية" في الفن التشكيلي من أشهر التيارات، فحين ظهرت في بلدها الأم إيطاليا نهاية القرن التاسع عشر سرعان ما حجبتها سيطرة المدرسة المستقبلية التي كرّسها صعود الفاشيين للحكم. ومن جانب، استعار الفنانون السورياليون والتكعيبيون، ولاحقاً الفن المفاهيمي، الكثير من مفردات "الميتافيزيقيين" حتى أطفؤوا كل إشعاع لهؤلاء في المشهد المعقّد والثريّ للفن التشكيلي في بداية القرن العشرين، وكأن أفكارهم قد تفرّق دمها بين القبائل الفنية.

يعدّ جيورجيو دي شيريكو (1888 - 1978) أحد أبرز فنّاني "المدرسة الميتافيزيقية"، فقد نجح في بلورة فكرتها التي تقول بتجسيد ما لا يقع ضمن الواقع عبر لوحاته ضمن تركيبة من استحضار العناصر المتفرّقة للعالم والألوان. وعلى الرغم من اعتبار الفنان كارلو كارا (1881 - 1966) مؤسّس هذا التيّار الفني، إلا أن النقّاد يعتبرون هذا التأسيس لا يعدو كونه مجرّد "أبوية نظرية"، فيما يجدون في أعمال دي شيريكو التجلّي الحقيقي لروح المدرسة وطروحاتها.

تستعاد تجربة دي شيريكو هذه الأيام ضمن معرض ينظّمه "متحف أورانجري" في باريس، يتواصل حتى 14 كانون الأول/ ديسمبر المقبل. يحمل المعرض عنوان "الرسم الميتافيزيقي" وكأنه يعلن لزائره أن تجربة دي شيريكو هي في النهاية خلاصة هذا التيار الفنّي، لكن على هذا الزائر أن ينتبه بأن اللوحات المعروضة هي في النهاية اللوحات الفرنسية لدي شيريكو ولا تمثّل مجمل تجربته، وتمتدّ هذه الفترة الفرنسية في حياته بين 1911 و1915، وهي فترة تمثّل تبلور رؤيته للعالم واستقراره على المفردات البصرية التي لن يغيّر فيها كثيراً في أعماله اللاحقة رغم أنه عاش عقوداً طويلة بعد ذلك.

ولد في اليونان التي حضرت في أعماله عبر منحوتاتها الأثرية

كان دي شيريكو نموذجاً للمثقف الأوروبي الكوسموبوليتاني في زمنه، فقد ولد في اليونان التي بقيت حاضرة في أعماله من خلال حضور منحوتاتها الأثرية في عدد كبير من لوحاته، ودرس في ميونخ الألمانية في بداية القرن العشرين وهناك اكتشف أفكار نيتشه وشوبنهاور بما تحمله من رؤى ثورية تلتقي مع تطلعات شاب يبحث من خلال الفن عن تفكيك حياته الشعورية وأيضا واقع بلده الذي كان وقتها في لحظة شكّ بين مقولات الدعاية الفاشية التي تنفخ في أسطورة الأجداد وبين واقع يشير إلى تخلّف إيطاليا في البنى التحتية والنظام السياسي، بل حتى في راهن التجارب التشكيلية.

حين مرّ دي شيريكو من باريس، بداية من 1911، تعرّف على التيارات الحداثية في الفن، ولكن الأهم من ذلك هو تعرّفها عليه حيث وجدت في أعماله رؤية جديدة جمعت بين التجسيم الفنّي والمحتوى الفكري.

ضمن تقديم المعرض، يشير المتحف أن مجموعة اللوحات التي يقدّمها هي أعمال اقتناها تاجر الفن الفرنسي جان بولمان، ونجد ضمن مجموعته أعمالا لـ دي شيريكو أنجزت بعد مغادرة الأخير فرنسا، حيث ظلّت صداقتهما ممتدّة.

المساهمون