جيانلوكا سوليرا: إن كان هناك أندلس اليوم فهي صقلّية

جيانلوكا سوليرا: إن كان هناك أندلس اليوم فهي صقلّية

03 يونيو 2022
جيانلوكا سوليرا
+ الخط -

خلال ثلاثة عقود، رسّخ الكاتب الإيطالي جيانلوكا سوليرا حضوره في دعم منظمّات المجتمع المدني وحوار السياسات، داخل القارّة الأوروبية. وفي الأثناء ساقته قدماه عام 1990 إلى العالم العربي الذي يختلف في هويّته، لكنه ليس كما أراده الشاعر والكاتب الهندي ـ البريطاني روديارد كبلينغ: "الشرق شرق والغرب غرب، ولن يلتقيا أبداً".

اكتشف سوليرا أن سكّان البحر الأبيض المتوسّط كانوا منذ القرون الوسطى يبتدعون لغة هجينة اسمها "صابر" لكي يتفاهموا مع بعضهم البعض، وهذه واحدة من اللمعات التي دفعته لتأسيس مهرجان بهذا الاسم عام 2014، ثم في ما بعد ليصدر كتابه "الهوية المتوسطية والمواطنة النشِطة"عام 2016. قبل ذلك، في عام 2007، أصدر كتاب "أسوار ودموع وزعتر" خلال عيشه في الضفّة الغربية من فلسطين المحتلة، وتطوير معرفته باللغة العربية في "جامعة بير زيت".

يدير سوليرا برنامج "حوار المتوسّط للحقوق والمساواة"، لتعزيز مؤسّسات المجتمع المدني في منطقة المتوسّط، وهو مؤسّس لـ"مهرجان مواطني المتوسّط" الذي انطلق أمس الخميس في كاتانيا، جنوب إيطاليا. بهذه المناسبة تحاور "العربي الجديد" الكاتب والناشط الإيطالي.



في البداية، أخبرنا كيف بدأت علاقتك بالعالم العربي؟ كيف تعرّفت إليه؟ ولماذا انشغلت به؟

حسناً، أوّل مرّة أزور فيها بلداً عربياً كانت في عام 1990. كنت طالباً في باريس وقابلت طالباً جزائرياً، دعاني لأقضي أكثر من شهرين في الجزائر. وصلتُ إلى الجزائر في اليوم الذي دخل فيه صدّام حسين الكويت، 2 آب/ أغسطس. كانت تلك الفترة تشهد صعود "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" في الجزائر، فقد فازت بالانتخابات البلدية، وعلى وشك خوض الانتخابات البرلمانية، لذلك كانت فترة شائكة.

كانت تلك أول مرّة في حياتي أشعر فيها بأن العالم ليس واحداً، العالم ليس الغرب فقط، هناك عالم آخر. سافرتُ كثيراً عبر أوروبا من قبل، ولكنّ تلك كانت المرة الأولى التي أعْبر فيها البحر، وشعرتُ بأن هناك عالماً آخر بجانب الغرب.

في الوقت نفسه، كنتُ أحس بالشعور الرائع بالرابطة البشرية. فقد وجدتُ كرمَ ضيافة مذهلاً تماماً، وشعرتُ بأنه يشبه ما أجده في المناطق الريفية في إيطاليا. عائلتي تنحدر من شمال إيطاليا، من الجبال، وهي منطقة تمتاز أيضاً بكرم الضيافة والترحيب. لذلك، هذه المقارنة ــ بين نموذجين مختلفين بهويتين مختلفتين، ولكنْ يشتركان من ناحية الخلفية الإنسانية وكرم الضيافة ــ جعلت صورة المجتمع الكوني، أو الميل للتقارب على أساس القيم الإنسانية، تخلب ذهني بشدّة إلى حدّ الاهتمام بالعالم العربي والإسلامي. ولذلك، عدتُ بعد ذلك إليه، وقرّرتُ أن أقضي بانتظام أغلب عطلاتي في جنوب المتوسّط.

في أول زيارة لي لبلد عربي شعرت أن العالم ليس الغرب فقط


هل بدأت عند ذلك فكرتك عن إمكانية وجود "هوية متوسّطية" جامعة لشمال المتوسّط وجنوبه؟

لا، فكرة المتوسّط المتخيَّل تطوّرت لديّ بعد ذلك بفترة. إحدى اللحظات المهمّة كانت في 1995، بعدما التحقت بالبرلمان الأوروبي مستشاراً سياسياً لحزب "الخضر". من أولى النشاطات لي في البرلمان كانت المشاركة في تجمّع في باليرمو مع عمدة باليرمو، ليولوكا أورلاندو، الذي كان قائداً أيضاً لـ"حركة ربيع باليرمو" المدنية ضد المافيا، وعضواً في البرلمان الأوروبي يعمل مع "الخضر". كان اللقاء يتعلّق بـ"عملية برشلونة" الجارية آنذاك، والتي هدفت لتأسيس شراكة أورومتوسطية، وذلك قبل شهر واحد من انعقاد "المؤتمر الأورومتوسطي" في برشلونة في تشرين الثاني/ نوفمبر 1995.

في هذا الوقت، تعمّقت خبرتي السياسية الشخصية بالمؤسّسات الأوروبية، وبدأت أتساءل عن إمكانية بناء بيت أوروبي واحد. لكن عندما تكون في جنوب إيطاليا، وعلى الرغم من صدور إعلان برشلونة آنذاك، تُدرك أن هناك مجتمعات مستبعدة في الهوامش، على الأطراف، في الضواحي.

كان هذا هو السؤال الذي شغلني بشدّة، وهو الشرارة التي أطلقت ما قمنا به بعد ذلك كمهرجان "صابر" عام 2014، نسبة إلى لغة "صابر" التي كانت مزيجاً لغوياً استخدمته العديد من شعوب البحر المتوسّط للتواصل على مدى قرون إلى نحو القرن التاسع عشر.

حمل المهرجان الفكرة التي تطوَّر منها لاحقاً "مهرجان مواطني المتوسّط". بالطبع، كان مهرجان "صابر" متأثّراً بالربيع العربي، لكنّي صرتُ على أي حال مشغولاً، وأكثر معرفة بالعالم العربي بعد أن عشت في فلسطين ومصر. أصبح لدي التزام شخصي تجاه المنطقة.


عشتَ في فلسطين عدّة سنوات، وكتبت عن تجربتك فيها كتاب "أسوار، دموع وزعتر"، فكيف أثّرت فيك تلك التجربة؟ ماذا تركت فيك؟

حسناً، عندما ذهبتُ إلى فلسطين، لم أذهب كناشط سياسي، وإنما كطالب "كبير السنّ" في الجامعة لدراسة اللغة العربية، بعد أن أنهيت دراستي الجامعية الأساسية قبل ذلك بالطبع، ودخلت تجربة البرلمان الأوروبي. لكنّ الأحداث نفسها جرفتني، لأن تلك الفترة كانت الجزء الثاني من الانتفاضة الثانية. فمثلاً، عندما رحل ياسر عرفات، كنت هناك في "المقاطعة"، وما زالت هناك الكثير من الحواجز ونقاط التفتيش حول الجامعة، وفي كافة مدن الضفّة الغربية وغيرها.

الأحداث نفسها هي ما جعلتني أفهم ما يجري، لأنك عندما تعيش في أوروبا، لا يمكنك أن تدرك ماذا يعني الاحتلال العسكري فعلاً، ما لم تكن عشتَ زمن الحرب. لكنّ جيلنا لم يعرف الاحتلال قط، ولذلك كان صعباً علينا أن نفهم معنى ما يجري في فلسطين. كلّ ما نعرفه هو كتل صمّاء، داعمون لإسرائيل، وداعمون للقضية الفلسطينية، مواقف أيديولوجية متصلّبة، لا إمكانية للحوار بينها، وأغلبنا كان ينأى بنفسه عن ذلك، ويعتبر المسألة مجرّد عصبيات أيديولوجية.

إذن، ما حدث أن الأحداث نفسها جرفتني، اختطفتني تماماً، كانت شديدة القوّة والتأثير فيّ، لأنني لم أتوقّع ما رأيت. كلّ ما عرفناه هو إمّا أنْ تكون في هذا الجانب أو في هذا الجانب، أمّا الحقائق فلم نكن نعرف عنها شيئاً. الآن، صرت أعيشها بنفسي. فعندما أذهب إلى الجامعة، كان عليّ أن أمرّ بالحواجز ونقاط التفتيش نفسها التي يمرّ بها الفلسطيني. عندما كان عليّ أن أذهب إلى القدس من بيرزيت، أي مسافة 25 كم فقط، كنت أستغرق 5 ساعات. لذلك بدأت أتساءل.

عشت في فلسطين ومصر وأصبح لديّ التزام شخصي تجاه المنطقة

كان البُعد الإنساني مهمّاً جداً بالنسبة لي، وقرّرتُ أن أتحوّل إلى ناشط وأن أكتب هذا الكتاب لأصوّر المعاناة التي يتسبّب بها الاحتلال العسكري للفلسطينيين، والتي تؤثر سلباً حتى في الطرف الآخَر، أعني تؤثر بالطبع في ضحايا الاحتلال وحتى في جلّاديهم الإسرائيليين أنفسهم. عشت لحظة تنوير شخصية في فلسطين، فقد فهمتُ معنى الحصار السياسي، وانعدام الفضاء العام، والحقوق والانتهاك الممنهج لحقوق الإنسان الذي لا نختبره في المجتمع الغربي.

لكنْ كان هناك أمر شخصي أضاف لهذا التنوير الشخصي. فقد تعرّفتُ هناك على شخص من إسبانيا أخبرني بأن اسمي هو اسم سفرادي (ينتمي إلى يهود إيبيريا)، وبالطبع لم أكن أعلم، وكان هذا الجزء من تاريخ عائلتي قد واراه النسيان وجرى التخلّي عنه تماماً لأنه لم يكن بإمكاننا أن نتتبّع تاريخ عائلتنا أبعد من القرن السادس عشر. كانت تلك إشارة وعلامة بالنسبة لي، أنني في هذا المكان الذي ربّما كان لأسلافي علاقة به، وبالتالي صرتُ أكثر حساسية وأكثر انتباهاً لما يحدث على هذه الأرض، وأعتقد أن وعيي بالهوية المتوسّطية قد ولد هناك، في الضفة الغربية.


ذكرت أنك ذهبت إلى فلسطين لدراسة اللغة العربية، فلماذا اتخذت هذا القرار؟

كنتُ من الأساس أتحدّث لغات كثيرة، ولكن بعد رحلتي إلى الجزائر، صرتُ أشعر أن هناك عالماً آخر وراء البحر المتوسط لديه ثقافة مذهلة وثرية سحرتني. أيضاً باريس، كما تعلَم، هي مدينة شبه عربية، فقد كنتُ أعيش في حيّ به مجتمع واسع من المغاربة. وبعد الجزائر، بدأتُ أقضي بعض العطلات في بلدان عربية، وانتهزتُ الفرصة لأقوم ببعض الدراسات، وأول أستاذ لي كان تونسياً من جربا. كانت فرصة لي للهروب من المركزية الأوروبية، وقد كنت فزعاً جدّاً من فكرة السقوط فيها. كانت أهم لغة غير أوروبية يمكنني أن أتعلمها لأتخلّص من ذلك الخطر هي العربية، وهذا ما دفعني إلى هناك.


رجوعاً إلى مسألة الهوية المتوسطية، في كتابك "الهوية المتوسّطية والمواطنة النشطة" ذكرتَ أن تلك الهوية تُبنى على المواطنة النشطة، فماذا يعني هذا المفهوم؟

المواطنة النشطة تعني أن تكون مواطناً بالمعنى المتكامل للمواطنة، بمعنى أن تطالب بحقوقك وأيضاً أن تؤدّي واجباتك، وبالتالي تكون مواطنتك نشطة في الإسهام في خير المجتمع ككلّ. في محاولة الجمع بين المواطنة والنشاط العام. المتوسّط، كما تعلم، يمثّل تحدّياً، لأن المواطنة ترتبط بالقوانين وجوازات السفر والوثائق الرسمية، بينما النشاط العام لا يعرف الحدود. إنه على الدوام يعبر الحدود، يذهب بعيداً، يحاول أن يكتشف طرقاً، ومسارات جديدة.

لذلك، كان المصطلح أشبه بأنه يحمل تناقضاً، والمتوسط نفسّه كان يمثل تناقضاً، فمن جهة لديكَ مزيج من الثقافات الثرية لشعوب المنطقة، ومن جهة أخرى لديك أيضاً العقبات الكأداء في وجه التغيير والتبادل والتنقّل وحتى التفاهم المتبادل ببساطة. هكذا، رأيتُ من المناسب وضع المواطنة النشطة في مواجهة التحدّي المتعلق بالمتوسط.

عندما تعيش في أوروبا لا تدرك ماذا يعني الاحتلال العسكري


حالياً، تدير فريق برنامج "حوار المتوسّط للحقوق والمساواة"، ما القيمة التي تظنّ أن هذا البرنامج يضيفها إلى المحاولات السابقة للشراكة الأورومتوسطية كعملية برشلونة التي تحدّثت عنها؟

برنامج "الحوار المتوسطي"، كما تعلم، هو شيء بسيط، هو أقرب إلى مراكب الإنقاذ الصغيرة التي تتبع الأساطيل الكبيرة. الاتحاد الأوروبي طاقة مالية هائلة تستثمر في الأمن، والسيطرة على الحدود، والتعاون الاقتصادي، والطاقة، والبنية التحتية وأخيراً المجتمع المدني. من المحفظة الخاصّة بالمجتمع المدني، هناك جزء يتعلّق بالعمل على مستوى المنطقة ككلّ.

الاتحاد الأوروبي، مع ذلك، لا يعرف مفهوم "المتوسّط". هناك أوروبا ثم هناك جيران لأوروبا، جيرة شرقية وجيرة جنوبية. هناك إدارة عامة للجيران مسؤولة عن السياسات والعلاقات مع الجيران، وليس هناك اعتراف بالمتوسّط كفضاء مشترك.

"إعلان برشلونة" كان مغامرة سياسية قامت بعد "اتفاق أوسلو" الذي مثّل لحظة خاصّة في المنطقة لم يعد لها وجود في الواقع اليوم. كلّ ما نفعله اليوم هو محاولة حماية مواقعنا، أن نقلّل خسائرنا، ليس فقط خارج أوروبا، في مصر وفلسطين وتركيا، بل حتى في أوروبا، في المجر وبولندا وإيطاليا. لذلك انهارت "عملية برشلونة"، وفشلت في تحقيق أهدافها لأسباب على رأسها انهيار عملية السلام في فلسطين.

بعد الربيع العربي، انتهزت المفوضية الأوروبية تلك الفرصة لضخّ مزيد من الموارد لإحياء تلك الفكرة ــ الشراكة بين أوروبا والمنطقة المتوسّطية ــ عبر حزمة من الدعم للمجتمع المدني، ولذلك هي لا تتعلّق هذه المرّة بالأمن والطاقة والهجرة، ولكنْ بالتعاون الإنساني والاجتماعي وبناء المؤسّسات ودعم التحوّل الديمقراطي وحكم القانون.

ميزة "حوار المتوسط" أنه لا يركّز على بلد واحد، خلافاً للسياسات الأخرى التي تتعامل مع كلّ بلد على حِدة. ما نحاول أن نؤكّده هو أنه لا يمكن التفكير على مستوى قُطري أو بمنطق الطرفين: إن المنطقة تستحقّ تفكيراً واستراتيجية عابرَيْن للأقطار، نحاول أن نفتح فضاءً للتفكير بالمنطقة ككلّ.


ما الخطط أو التكتيكات التي حاولتم من خلالها أن تحقّقوا ذلك؟

أوّلاً، حاولنا أن نشرح للاتحاد الأوروبي أنه من غير الممكن دعم المجتمع المدني للعمل على مستوى المنطقة من دون رؤية لما نطمح بأن تكون عليه تلك المنطقة خلال السنوات العشر القادمة. فأوّل شيء عملنا عليه هو تشكيل "رؤية المتوسّط 2030" عبر التفكير السياسي والاستراتيجي المشترك للفاعلين من المجتمع المدني في المنطقة، لأننا نعتقد أنه دون تلك الرؤية لا يوجد معنى أو منظور لما نحاول أن نحقّقه، من خلال دعم المجتمع المدني في المنطقة.

الخطوة التالية كانت المدافعة أو المرافعة (Advocacy) عن قضايا معيّنة. استثمرنا كثيراً في فكرة أن المنطقة بحاجة إلى استجابات على مستوى المنطقة بأسرها للتحدّيات المشتركة؛ التحوّل الديمقراطي، والعدالة الاجتماعية، والانهيار البيئي، والهجرة والتنقّل، وهكذا. كنّا نؤمن بأن تلك القضايا لا يمكن أن تُحَلّ إلّا من خلال حلول على مستوى المنطقة ككلّ. لذلك حاولنا أن نبني إمكانات المجتمع المدني في المنطقة للعمل سوياً وتنظيم الحملات المشتركة في تلك القضايا. وكنّا حريصين على أن يتشارك دوماً المجتمع المدني في شمال المتوسّط مع المجتمع المدني في جنوبه.


إذا قلنا إنّ لكلّ فكرة خصوماً، إنْ لم يكونوا متمثّلين بأشخاص أو جهات محددة، فبأفكار أُخرى على الأقل. مَن هم خصوم "الفكرة المتوسّطية"؟

المواجهة هي مع فكرة أنه ليست هناك ثقافة أوروبية منْبَتّة الصلة مع الثقافات المتوسّطية، ومع فكرة حماية الهوية الأوروبية من الاختراق. أن نقول بوضوح إن تلك الفكرة ساذجة لأن تلك الهوية الأوروبية نفسها هي وليدة تلك الاختراقات والأمزجة. والمتوسّط هو جزء مؤسّس من التاريخ الأوروبي.

عندما بدأتُ العمل على فكرة "المواطنة المتوسّطية"، حاولتُ أن أؤسّس حركة سياسية بهدف خلق عملية دستورية تطالب باتّحاد متوّسطي ولكي تخلق وعياً شعبياً. لكنّ ذلك في الحقيقة بلا معنى، لأن الشروط الموضوعية لم تكن متوفّرة. أدركتُ أنك إذا لم تنتصر في المعركة الثقافية، لن يمكنك أن تحقّق أي تقدّم سياسي أو مؤسسي. وأنه لا بدّ من القطع مع فكرة أن هناك كتلتين جغرافيتين منفصلتين. لديك مجتمع سياسي في الشمال، ولديك تسعة عشر قرناً من البلدان المحكومة بالطغاة في الجنوب. هذه السردية تخدم النخب السياسية الحاكمة في الجنوب، وتخدم النخب الأوروبية التي ترفض طرح التساؤلات عن الهوية الأوروبية. أن تكسر فكرة أن هناك "نحن" و"هُم". وذلك يبدأ من طرح الأسئلة داخل العقل الأوروبي نفسه. وبالتالي طرح سردية جديدة عن المتوسّط.

في الاتحاد الأوروبي، ليس ثمة اعتراف بالمتوسط كفضاء مشترك


أنتم تنظّمون مهرجاناً سميتموه "مهرجان مواطني المتوسط" في كاتانيا بإيطاليا، ما الذي يهدف إلى تحقيقه؟

في رأيي، من الصعب جدّاً أن نقدّر منذ الآن ما الذي يمكننا تحقيقه.


ولكنك على الأقل تحلم بشيء ما؟

أحلم بأن يتحوّل هذا المهرجان إلى لقاء سنوي يجمع المجتمع المدني والمواطنين المنخرطين في العمل العام، الذين يؤمنون بفضاء متوسّطي مشترك، لأنني أعتقد أن من الضروري أن نخلق "كتلة حرجة"، حركة تعمل على نشر فكرة أن شعوب المتوسّط تتّجه إلى مصير مشترك. ولذلك، هذا المهرجان لا ينتهي بالنسبة لي في 6 حزيران/ يونيو، بل يفتح فضاءً يمكن أن يستمرّ على مدى السنوات، يمكن فيه بناء مبادرات ومؤسّسات جديدة.

لديّ حلم ثانٍ هو أن تخترق تلك الأفكار المؤسّسات الأوروبية التي هي شديدة التمركز أوروبياً. عندما كنا نختار اسم المهرجان مثلاً، كان اختياري الأوّل "مهرجان المواطنة المتوسطية"، وقد رُفض، لأنّ بالنسبة لهم لا يمكن التحدّث عن المواطنة المتوسطية باعتبارها شيئاً لا وجود له. ولكي نحقّق هذا الهدف الثاني، لا بدّ من تحقيق الأوّل قبل ذلك.


لماذا اخترتم كاتانيا بالتحديد لإقامة المهرجان؟

قبل أن ألتحق ببرنامج "حوار المتوسط"، كنتُ ــ كما ذكرتُ ــ من فريق مهرجان "صابر" الذي كان ينعقد في صقلّية، لذلك أنا أعرف الناس هناك وأعرف المنظّمات التي يمكن أن تساعدنا في التنظيم.

النقطة الثانية هي أن هذا الموقع يمثّل القلب الجغرافي للمتوسّط. فكلّما فكرتُ في صقلّية أتذكّر تلك الخريطة الشهيرة التي وضعها الجغرافي العربي، الإدريسي، الذي عاش في صقلّية في القرن الثاني عشر. الخارطة التي تضع باليرمو في قلب المتوسّط. صقلّية هي شيء من أفريقيا ومن الشرق الأوسط، ومن أوروبا بالتأكيد. إذا كان يمكن القول إنه ما زالت هناك أندلس موجودة، فهي صقلّية. لذلك أعتقد أنها بهذا المعنى هي أفضل مكان ممكن لعقد المهرجان.

في كاتانيا، هناك أيضاً تمثال شهير لفيل أصبح رمزاً للمدينة، وهو تمثال من صخر اللافا الذي يخلّفه البركان الذي في المدينة عند ثورانه. ويقال إن هذا الفيل يرمز إلى القرطاجيين القدامى، وكان العرب يعرفون المدينة بمدينة الفيل. لذلك هذا الفيل يرمز إلى المزيج الثقافي في كاتانيا، وهو يرمز أيضاً إلى ما يهدف المهرجان إلى تحقيقه، وهو مناقشة "الفيل الذي في الغرفة"، أي تلك المسائل الكبرى التي نعيشها لكنّنا نتحاشى الحديث فيها.

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون