أريكتك المريحة يا سيّد فيسبوك

أريكتك المريحة يا سيّد فيسبوك

11 اغسطس 2021
(عمل لـ باول كوتشينسكي)
+ الخط -

تقول لي: "?Que voulez-vous dire".

وعندما أخبرك يا سيّد فيسبوك بالكلمات الجاثمة على قلبي، هل سأتنفّس أنا أم ستتنفّس أنت؟

لماذا تريدني أن أكتب مُفترِضاً أنّ هناك ما أودّ قوله؟

هل تعرف تلك الرغبة التي تسكن أطراف ألسنتنا وأناملنا والتي تنتظر تشجيعاً واضحاً يدفعها بنعومة حروفك الطافية فوق بحرك الأزرق؟

أكيد أنت تعرفها، فقد خبِرت النفس الإنسانية بعدما تمّ إيهامها بالخصوصية أمام شاشة الهاتف واللابتوب وداخل فضاء تلمع فيه اللايكات بكل تدرّجاتها العاطفية.

أنتَ تعرف أنّ هذا الإنسان اختنق بكلّ معاناته مع ذاته ومع الآخرين في عالم يتناساه أو يُهمله أو يُعَنِّفه ويُحوّله إلى مسخٍ يبحث عن أصله وروحه التي تضرب بأجنحتها اليائسة على جدران السجن الأليف.

لماذا تدعونا في كل جزء من الثانية إلى الثرثرة على شاطئك الأزرق؟

أنت تعرف أنّني سأكون في اللحظات الأولى حَيِيَّة، غير أنّ فيضان عذاباتي المكبوتة كَبُركان يتأهّب للثَّوران سيفور ويلفظ عذاباته شيئاً فشيئاً مُعوّلاً على جماعة الأصدقاء الكبيرة، أولئك الذين سيقرأون في صمت، بتفاعل أو ببرود، الحمم الأولى المتطايرة على شاشاتهم.

وستنهمر اللايكات مع مرور الوقت وسأنتظرها. وستكون لايكات داعمة وستلد اللايكاتُ تعليقات مُشجِّعة، حنونة، متفهّمة، تدعمها "الإيموجي" المُعبّرة عن مشاعر أصحابها والتي تبقى افتراضية... وقد لا تنهمر. ثم ينتهي الأمر، ويحلّ الصمت، الرفيق الوفيّ الذي يبقى دوماً في الخلف منتظراً عودته الأبدية.

يا سيّد فيسبوك، يا منتحل شخصية الطبيب النفسي وقد منحتنا أريكة طويلة مريحة نتمدّد عليها، ها نحن نحكي لك أكثر الأمور خصوصية. ها نحن نحكي لك وعلى الملأ صراعاتنا الداخلية وصراعاتنا مع الناس ونعترف لك بأخطائنا ونشاركك صورنا القديمة والحديثة ومشاعرنا الخفية وآراءنا الدفينة.

وها أنت فرُويد الجديد تستمع لثالوثنا المقدّس وهو يتبادل أدوار الكلام: الـ أنا المهتمّة دوماً بمظهرها وسلوكها الخارجي، والـ أنا العليا الجالسة دوماً على كرسي القاضي، والـ هو مخزن الرغبات المشتعلة. وها أنت جائع لا تشبع، تريد دوماً أن تستمع إلى المزيد من حكاياتنا وأن نكتب لك دوماً بِما يعتمل في صدورنا المحترقة. فهل استمعت حقّاً؟ وهل تستطيع حقّاً أن تفهمنا وأن تجيب طلباتنا وأن تشفي جراحاتنا؟

لماذا تدعونا في كل جزء من الثانية إلى الثرثرة على شاطئك الأزرق؟ هل تحتاج إلى ثرثرتنا اللامتناهية؟ إنك تلعب معنا لعبة الغواية التي مارستها حوريات البحر مع أوديسيوس وهي لعبة خطرة بلا شكّ، فهل نربط أجسادنا إلى السارية أو نضع شمعاً في آذاننا كيْ لا نمضي مع نشيد وعزف حورياتك الخادعة إلى شطآنك البعيدة؟


* شاعرة ومترجمة من الجزائر

نصوص
التحديثات الحية

المساهمون