"خبز وشاي": فقراء وآثار ولاعبون كبار

"خبز وشاي": فقراء وآثار ولاعبون كبار

31 ديسمبر 2018
(من قلعة الربض في عجلون)
+ الخط -

تتناول رواية "خبز وشاي.. سيرة أبو وئام الكركي" لأحمد الطراونة (1969) ثنائيات تتغلغل في الشخصية العربية في الأردن، العربيّة استنادا إلى التكوين الأول لهذه الشخصيّة، ثم المسارات التي جاءت بعد ذلك لتصبح الشخصيّة الأردنية مميَّزة، والتي تحمل من التناقض ما تحمله، في ظل سطوة الفقر وعدم الوضوح في الهويّة الوجودية لهذه الشخصية.

اختار المؤلف مسرح روايته في المقابر القديمة، وجعل أبطالها يبحثون في تلك المقابر عن لقى أو أنتيكات يستعينون ببيعها على شظف العيش وقسوة الحياة. نتابع مع هؤلاء كيف يزيلون معالم القبور، ويتفقّدون الموتى باحثين عما دُفن معهم، ليبيعوه، فقد يعثرون على أساور قد دفنت مع صاحباتها، وقد يعثرون على بعض النقود القديمة، ومن هنا ينطلقون إلى العارفين بالآثار، حيث يقعون تحت سطوتهم.

هكذا فالثيمة المركزيّة في رواية "خبر وشاي" (منشورات "أزمنة"، 2018) هي التاريخ المعروض للبيع، لكننا لا نعرف من المشتري النهائي الذي تؤول إليه تلك القطع والأنتيكات التي يعثر عليها الرجال الذين يقضون لياليهم في الحفر في المقبرة الأثرية (نخل)، حيث تذهب اللّقى إلى جمال الذي يدّعي المعرفة بالتاريخ، ثمّ إلى أستاذ التاريخ، يوسف، الذي يمكّس معرفة جمال ويصبح هو المرجع في تثمين القطع واللقى.

استطاع المؤلف أيضاً أن يأخذنا بعيداً في سحريّة المشهد، فينقّلنا بين المقبرة، وليالي السهر، حتى نعايش هؤلاء الجياع الباحثين في سجلّات الموتى عن بصيص أمل، وبين البيوت التي لا تملك قوتاً ليومها إلا الخبز والشاي، وهما الملخّص الممل للحياة التي يعيشها الفقراء، حيث الفطور خبز وشاي، والغداء خبز وشاي، والعشاء خبز وشاي، وهو التدليل الألمع على حالة الفقر المدقع، ومن هنا أتى العنوان الرئيسي للرواية.

وأما العنوان الفرعي، فهو يشير إلى ما وصل إليه حال أحمد وخالد، الذي مات والدهما عندما سرقه أخوه، وأخذ حقّه في أهمّ لقية أثرية كان يمكن أن تكون قارب النجاة من الحياة التي يعيشونها، ولكن العم، أبو خليل، استأثر بها لنفسه، وحرم أخاه منها، فمات الأخ قهراً، تاركاً ابنين، يعرفان ما حصل ويحلمان بالانتقام من العم، وقد اختار خالد التسجيل في الدرك، فيما يقع أحمد فريسة بأيدي تجّار الدين فيكون "مجاهداً" دون أن يعلم، يجنّده الشيخ، ويذهب إلى معسكرات التدريب ليصبح الأخوان أعداء في المستقبل.

هكذا تصنع الظروف من الأخوين عدوّين، كما جعل التاريخ المزوّر والسياسة من الشعب شعبين. هذا تفكيك جميل لثنائيّات تسكن في الوعي الجمعي، وتشكّل هويّات فرعية باتت تتحكم في كل شيء.

وقد حمّل الروائي هذه الثنائية في تكوين الخلفية الأخلاقية لأستاذ التاريخ الذي يتناقض خطابه، ويتحوّل أمام سطوة المال إلى التعاون مع البعثات الاستكشافية الأثرية مع جمال الذي لا يشدّه إلى الوطن أي شيء، وهذان يستغلان أولئك الباحثين في المقابر عن اللّقى، فيمكّسان بضاعتهما، أو يأخذانها للاتجار بها، ولا يحصل بالتالي صاحب اللقية على ما يسد به رمقه، أو ما يجازي تعبه.

رواية "خبز وشاي"، رواية خطاب، تغيب تفاصيله في التفاصيل الدقيقة للحياة التي يعيشها الفقراء، واللاعبون الكبار الذين لا يرون في هؤلاء الفقراء إلا مادّة للاستغلال، سواء أكان في الدين أم كان في المال، أم كان في السياسة.


* كاتب من الأردن

المساهمون