سمر رمضاني إدلبي (6)

سمر رمضاني إدلبي (6)

05 مايو 2020
+ الخط -
كيف انتهت قافلة جميل الأسد؟
في مستهل لقاء "الإمتاع والمؤانسة" الرمضانية طلب أبو ماهر الحموي من الأصدقاء الأدالبة الذين لديهم معلومات عن تلك الأيام القديمة أن يخبرونا كيف انتهت أسطورة قافلة جميل الأسد المؤلفة من ست سيارات مرسيدس شبح، سيما وأن أهالي محافظة إدلب كانوا يعانون من عدوان العناصر الشبيحة الذين يسافرون ضمن سيارات تلك القافلة.

أجابه الأستاذ كمال بحديث مسهب ملخصه أننا الآن، في سنة 2020، يعني أنه قد مضى علينا نصف قرن من حكم عائلة الأسد التي ينطبق عليها صفة (عصابة) أكثر من صفة سلطة، أو دولة.. وخلال هذه السنوات الخمسين ترسخت لدى السوريين قناعة بأن أية ظاهرة تشبيحية أسدية لا تنتهي إلا بتدخل طرف من سلطة آل الأسد نفسها!

قال أبو ابراهيم: كلام الأستاذ كمال صحيح، حتى أنا سمعت إنه قافلة التهريب تبع جميل الأسد انتهت على يد باسل الأسد، في مطلع التسعينات.

أكد كمال على صحة ما قاله أبو ابراهيم، وضرب مثالاً آخر يدل على صحة هذه الفكرة، وهو أن رفعت الأسد، أمر، في أوائل الثمانينات، بإنشاء حي في منطقة قريبة من "معضمية الشام" أطلق عليه اسم "حي السومرية"، (نسبة إلى ابنه "سومر" الذي خلفه من زوجته الثانية) يسكن في هذا الحي الضباط والأشخاص المقربون من رفعت، ومعظمهم يعملون في التهريب والتشبيح.. وبعد رحيل رفعت حاملاً مئات الملايين من الدولارات التي أعطيت له من خزينة الدولة السورية وفوقها 200 مليون دولار من عمو معمر القذافي، بقيت السومرية، واستمر نشاطها التجاري الذي كان يتركز على بيع المواد المهربة من لبنان، ولم تكن السلطات الحكومية، ولا حتى المخابراتية لتجرؤ على الاقتراب منهم، أو محاسبتهم..


وعندما قرر حافظ الأسد إعداد ابنه باسل ليرث الحكم من بعده، وضع خطة تدل على دهائه، هدفها إظهار باسل الأسد بصفة "المخلص" للشعب السوري من الفساد الذي كان يرعاه حافظ الأسد بنفسه، وبمشاركة إخوته وأقاربه وحواشيه، فكان أن أرسل باسل إلى الحجاز، وأخذت له صورة وهو بثياب "العمرة"، ثم وزعت ملايين النسخ من هذه الصورة على حيطان سورية كلها، بقصد أن يعرف الناس أن هذا الفتى ليس مؤمناً مسلماً وحسب، بل إنه (ورع)، ولا أدل على تقاه وورعه من توليه عمليات مكافحة الفساد بنفسه، فكان من أوائل أعماله مداهمة براكيات بيع المواد المهربة في السومرية، وتخريبها، ومصادرة محتوياتها، إضافة إلى أنه، في يوم من أيام سنة 1992، قرر إيقاف عمل التهريب الذي تقوم به القافلة التابعة لعمه جميل.

قال أبو الجود: أنا سمعت إنهم علقوا مع بعضهم عند سراقب.

قال كمال: بالضبط. وأنا بظن إنه باسل نفذ العملية بذكاء.. بحيث إنه شكل دورية ضخمة اشترك فيها عدد كبير من الفروع الأمنية من إدلب وحماه وحلب واللاذقية، والأسلحة تبع الدورية تجاوزت البواريد الكلاشينكوف، ووصلت لمستوى السيارات المصفحة والدبابات والرشاشات الثقيلة، وكان فيه عنصر مفاجأة، يعني سيارات القافلة الستة اللي ما تعودوا حدا من دوريات الأمن يوقفهم، فوجئوا بطلب الوقوف، ففتحوا شبابيك السيارات وبلشوا يقاوموا، واشتبكوا الطرفين، وبالأخير نزلوهم من السيارات، وصادروا البضاعة، وأجبروهم يرجعوا باتجاه اللادقية بعدما عرفوا إنه الحديدة صارت حامية، وإنه باسل الأسد بلش يعمل ترتيبات جديدة لحتى يستلم الحكم بعد موت أبوه، ومن ضمن هالترتيبات منع قافلة التهريب من الاستمرار في عملها..

أهالي محافظة إدلب، لما عرفوا باللي صار، تنفسوا الصعداء، وبلشوا يتناقلوا الأخبار بطرق مختلفة، وكل واحد يحكي اللي جرى بطريقة مختلفة، حتى إنه أحدهم زعم إنه علي الديك (اللي صار بعدين مطرب مشهور) كان يشتغل سائق على وحدة من سيارات القافلة الستة، وإنه أثناء تبادل إطلاق النار مع الدورية المشتركة، أصيب برجليه وانكسح..

قال أبو جهاد: كتير كويس. يعني فينا نقول إنه قصة القافلة انتهت.

قلت: بما أني أنا اللي عم أدون هاي الأحاديث وبنشرها في مدونة (إمتاع ومؤانسة) فيني أقول لك إني راح نبدا بحكايات إدلبية غيرها في السهرات الرمضانية القادمة.. لكن أنا في عندي حكاية طريفة بفضل إني نختم هالسيرة فيها.

قال أبو محمد: ما في أحلى من الحكايات. تفضل.

قلت: حكى لي الصديق الباحث الموسيقي ميسر شتات حكاية عن رجل من بلدة محمبل، كان ظريف وصاحب نكتة، وكان متزوج امرأتين، وكان يحب الزوجة الأولانية أكتر من الجديدة، وهادا شي غريب فعلاً، وكانوا الناس يسألوه: لك خاي أبو فلان، طالما بتحب مرتك ليش تزوجت عليها؟ فكان يقول: حيونة والله يا خاي، حيونة. المهم كان دوره في يوم من الأيام عند زوجته الأولانية، فقال لها: تعي أطالعك مشوار على جبل الأربعين، في مطعم عامل حفلة وجايب مطرب، منتعشى ومنتفرج على الدق والغني والرقص، ومنرقص نحن كمان.. ومنرجع. قالت له: يا الله.

وكان سوء الحظ لهادا الرجل بالمرصاد، لأنه وهوي عم يسوق السيارة كان عم يلتفت على مرته وبيغازلها، وعم يضحكوا، وفجأة شاف حدا عم يعطيهم إشارة بالنور.. التفت شاف القافلة وراه، وعرف إنه هوي حاجز عنهم المرور، وأيقن إنه راح يتعرض للضرب المبرح، فاستبق الأحداث، ونزل من السيارة، والتفت عليهم، وشلح الحذاء تبعه، ومسك كل فردة بإيد وصار يضرب حاله على وجهه وراسه..

فتحوا الشبيحة أبواب السيارات وصاروا يضحكوا.. وفي واحد منهم سأله:
لشو عم تضرب حالك ولاك كر؟

فقال لهم: ندمان لأني طلعت من البيت في هالوقت، وندمان لأني قررت أروح أنا ومرتي نسهر ونغني ونرقص وننبسط.. لا تواخذونا.. الواحد منا أوقات بيتصرف وما بيعرف حاله بأي بلد عايش.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...