من شيفرات الحسن إلى طلاسم مخلوف

من شيفرات الحسن إلى طلاسم مخلوف

22 مايو 2020
+ الخط -
لم يكد ينسى السوريون خطابات العميد في جيش النظام سهيل الحسن غير الموزونة، حتى أطل رامي مخلوف ابن خال رأس النظام بخطابات تفضح ضحالة التفكير، وتعكس الخلفية الثقافية الفارغة التي تقوم عليها شخصيات النظام السوري التي تسيطر على مفاصل الدولة العسكرية والاقتصادية.

تلك الخطابات التي أظهرت للعالم أحقية الثورة السورية بدولة ديمقراطية يكون فيها الرجل المناسب في المكان المناسب، وليس ما هو عليه الحال من سيطرة عصابة جاهلة تعيش خارج حدود الإنسانية والمنطق. محكومة بموروثات عفا عليها الزمن تريد تطبيقها على المجتمع السوري.

سورية التي صدّرت للعالم كتاب وأدباء ومفكرين ومثقفين من أمثال نزار قباني وعمر أبو ريشة ومصطفى العقاد والطيب تيزيني وصادق جلال العظم، كيف لها أن تكون ذاتها سورية التي اغتصبتها تلك العصابة وأصبحت تتحدث باسمها. ليس ابتداءً من سهيل الحسن، مروراً بعضو ما يسمى مجلس الشعب محمد قبنض، وليس انتهاءً عند من يطلق على نفسه رجل الأعمال والاقتصادي الأول رامي مخلوف. ليرسموا صورة حقيقية لسورية التي تحكمها عصابة الأسد.

سهيل الحسن والنظريات الفريدة

تعوّد السوريون خلال سنوات الثورة على خطابات سهيل الحسن العميد في جيش النظام السوري والذي حقق سمعة واسعة بالإجرام وارتكاب المجازر بحق السوريين، يطل بين الفينة والأخرى بمقاطع فيديو تحمل شيفرات لغوية غير مفهومة لأحد، حتى هو ذاته لا يستطيع تفسيرها إن طلب منه ذلك. ليتحدث عن نصر هنا أو موعظة هناك، ولكن أشهر خطاباته كان إطلاقه لنظريته الشهيرة أعداء العالم التي أطلقها من مطار كويرس العسكري بعد فك الحصار عنه في تشرين الثاني/ أكتوبر 2015. وذلك في مقابلة مع إعلامي النظام شادي حلوة. لم يستطع حينها الحسن التركيز في الأسئلة كما عجز عن الإجابة فجاء كلامه شيفرات مبهمة. حين أجاب عن سؤال "حلوة" حول رسالته التي يوجهها إلى من يقاتل في سورية فأجاب الحسن بكلام غير موزن ولا معنى له، في محاولة منه للظهور بمظهر المثقف فكانت النتيجة معاكسة وأفلتت منه الجمل ليطلق مقولته الشهيرة "على العالم كله أن يعرف عدو العالم". ما جعل البعض يصفونه بـ "المتحذلق" بينما وصفه آخرون بالغباء المفرط، وذهب غيرهم إلى أن هذا أمر طبيعي جداً في دولة البعث التي تمنع الكتب القيمة في ثكناتها العسكرية، وتحصر الثقافة فيها بالمنطلقات النظرية لحزب البعث، والكتب التي تتحدث عن ميزات حافظ الأسد، إضافة إلى الميزات الفنية والتعبوية للبارودة الروسية.

جيش النظام السوري الذي عشش فيه الفساد والرشوة، لا يمكنه تصدير حالات صحية مطلقاً، لأن وجود ضباط ذوي كفاءة بمستوى ثقافي عالٍ يشكل خطراً على النظام القائم على غسل الأدمغة والانتصارات الخلبية والقائد الرمز الأوحد. فكان الحسن عينة لباقي زملائه الذين لا يجيدون سوى لغة القتل والإجرام وارتكاب المجازر بحق الشعب السوري.

محمد قبنض الأخرق الذي أصبح عضو برلمان

يتساءل الكثيرون كيف يمكن لما يسمى مجلس الشعب في سورية الذي ترأسه يوماً ما فارس الخوري وسعد الله الجابري وناظم القدسي، أن يكون ممثلوه وربما الأصح أن يقال موظفوه اليوم من أمثال محمد قبنض الذي عجز ومنذ تسع سنوات على أن يركّب جملة مفيدة واحدة.

محمد قبنض ليس الوحيد الذي اغتصب كرسي ممثل الشعب زوراً، فجميع زملائه ينتمون إلى نفس الحظيرة، حظيرة المصفقين الذين اشتروا كرسي المجلس إما بأموالهم أو بولائهم لرأس النظام. منذ وصول حافظ الأسد إلى الحكم عبر انقلاب عسكري وحتى توريث ابنه القاصر إلى اليوم. ومازلنا نتذكر جيداً الجملة الشهيرة التي قالها عضو المجلس "خالد العلي" الممثل عن محافظة حماة بداية الثورة السورية عام 2011 "الوطن العربي قليل عليك، أنت لازم تقود العالم يا سيادة الرئيس"، تلك الجملة التي جعلت منه محط سخرية لمن كان من المفترض أن يمثلهم.

وبالعودة إلى محمد قبنض، عضو مجلس الشعب الذي يمثل محافظة حلب. هو الآخر أبدع نظريات في الوطنية وحب الوطن وقائده. فأطلق نظريته الشهيرة "نظرية الزمر والطبل"، هذه النظرية التي انتهى إليها بعد محاولات شاقة في التركيز ورصف الجمل غير المفهومة، والكلمات المفككة في غير سياقها. حين كان ينوي الحديث عن دور الإعلام الوطني. كونه يمتلك شركة إنتاج دراما تحمل اسمه، وتحتكر بعض الأعمال الدرامية التي لا تتوقف عن تلميع عصابة الأسد وزعيمها مختار حي المهاجرين بدمشق.
يحاول في كل مرة محمد قبنض أن يظهر بمظهر الإنسان الواعي لكنه يفشل، فيتحدث تارة عن سهر بشار الأسد الطويل و"قيامه الليل ليدعو لشعبه"، وتارة أخرى عن أهم إنجازاته ومراحله في الحياة (بوصفه شخصية عامة مهمة)، وكما في كل الأحيان يأتي حديث قبنض بأسلوب سردي غبي غير مفهوم وغير مترابط، لا يتوقف من خلاله عن التأتأة.

العلّامة رامي محمد مخلوف

لم يعرف السوريون الكثير من قبل عن رامي مخلوف ابن خال رأس النظام السوري، وإنما كانوا يتبادلون النكات الساخرة عن رجل الأعمال الذي تحول بين يوم وليلة إلى أكبر اقتصادي في سورية ويتحكم في أهم المفاصل الاقتصادية في البلاد، بعد إطلاق يده من قبل الذي يستولي ليس فقط على قصر الشعب، وإنما على مال وبلد ومصير الشعب في سورية.

في الفترة الأخيرة بدأت وسائل الإعلام تتداول أخباراً وتسريبات عن خلافات ضمن الكواليس بين رامي مخلوف وأسماء الأخرس زوجة بشار. بسبب محاولة الأخيرة كف يد رامي مخلوف عن الاقتصاد، والتسلل إلى مكانه عبر شركات ترتبط بها وبأقربائها.

تلك الخلافات ظهرت للعلن مع أول ظهور إعلامي لرامي مخلوف في بث مباشر عبر صفحته الشخصية في فيسبوك، تحدث من خلالها عن المظلومية الكبيرة التي يعاني منها في مواجهة "الدولة السورية" التي يقصد بها بشار الأسد. وذلك بسبب مطالبته بالضرائب المستحقة لخزينة نظام الأسد.

اللافت في الأمر بداية استخدام "مخلوف" لآية من القرآن في محاولة لتقديم نفسه على أنه الرجل الصالح الورع، وكأن السوريين لا يعرفون من سرقهم طيلة سنوات حكم عصابة الأسد.

تحدث مخلوف بطريقة غبية وسطحية، وبجمل غير مترابطة، ومعانٍ مفككة، فبدا ساذجاً غبياً متكلفاً بتواضعٍ لا يملك منه درهماً ولا ديناراً، يحاول أن يوصل صورة للسوريين بأنه ورع يخاف الله في أموالهم، فاستخدم مصطلحات دينية في غير محلها، وآيات من القرآن مخطئاً في لفظها، إضافة إلى زلات لسان جعلت السوريين يطابقون بين ما يقوله، وما قاله السوريون قبل تسع سنوات حين وظّف "مخلوف" أمواله في سبيل قمعهم وقتلهم واعتقالهم.

مخلوف الذي ظهر على حقيقته الواضحة للسوريين، تسبب بصدمة لدى البعض، وسخرية لدى الكثيرين، من محاولة ارتدائه عباءة فضفاضة ليست على مقاسه القزم. خصوصاً في منشور نشره على صفحته يدعو الله فيه. كان الدعاء بلا معنى، رصفاً من الجمل، وتكثيفاً من الألفاظ ذات الدلالة الدينية، ولكن بدون محتوى وبدون هدف، فجعلت البعض يشبهونها بطلاسم السحر التي يكتبها السحرة، بينما قال آخرون عن الدعاء بأنه "حجاب مخلوف" للعين وفك السحر.

وبهذا الشكل الفارغ ظهر مخلوف أمام السوريين الذين حزّ في نفوسهم وآلامهم أن يكون مثل هذا الشخص الساذج والفارغ يسيطر على ما يقارب 60% من اقتصاد سورية.

خلاصة الوجع السوري

في الحقيقة إن وصول هذه النماذج الكارثية إلى مواقعها، هي السبب الأكبر في وصول سورية إلى ما وصلت إليه من دمار وتخريب وقتل، فالسلاح في يد المجرم تسبب بشلالات الدماء، والسلطة في يد من لا يستحقها حولت الوطن الكبير إلى سجن صغير يعيش فيه المواطن معتقلاً محكوماً عليه بالمؤبّد. والمال العام في يد من ليس أهلاً له حوله إلى مال خاص وحوّل مقدرات البلاد إلى كيس خرجية لا ينضب.

لا يمكن أن تبنى الأوطان بالجاهلين والأغبياء والمجرمين، فلا يمكن القبول بهؤلاء المرتزقة واللصوص ممثلين لسورية وشعبها، فسورية التي صدرت الفكر إلى العالم، لا تقبل بهؤلاء أن يتحدثوا باسمها، ولا أن يصادروا كلمتها المثقفة الواعية، ببعض خطابات ساذجة لا يفهمها حتى من قالها. حاول السوريون منذ تسع سنوات أن يتخلصوا من هذه النماذج المريضة، ولكن وقوف العالم في وجه إرادتهم، وتشعّب المصالح الدولية وتداخلها في سورية، حول حلمهم إلى رماد تتقاذفه رياح المصالح والأهواء والتيارات.

نور الدين الإسماعيل
نور الدين الإسماعيل
خريج كلية الآداب جامعة حلب قسم اللغة العربية. يكتب الشعر والقصة القصيرة الساخرة والمسلسلات الإذاعية الساخرة لراديو فريش المحلي. كتب سيناريو فيلم قصير "المارد" قام بأداء الأدوار فيه مجموعة من الشباب الموهوبين في الداخل السوري. يقول: "عاطل عن الأمل"