ملك هولندا يلقي براميل على الشعب

ملك هولندا يلقي براميل على الشعب

01 ابريل 2020
+ الخط -
تحايلنا بالمكالمة الجماعية عبر الماسينجر على الحجر الصحي الذي سببه لنا الفيروس الحقير، حيث لم يعد بالإمكان أن نلتقي بالطريقة التي اعتدنا عليها خلال السنوات الماضية بسهرة الإمتاع والمؤانسة..

عاد بنا الحديث، خلال اللقاء الأخير، إلى صديقي "أبو نادر"، المقيم في إدلب ما أقامت ميسلون، على حد تعبير أمير الشعراء أحمد شوقي، رافضاً كل النصائح التي أسديت إليه بأن يهاجر ويهرب من براميل ابن حافظ الأسد، ووساخات سلطة الأمر الواقع.
ذات يوم، وبينما أبو نادر جالس في البيت يصغي إلى أغنية الآهات للثلاثي العظيم (أم كلثوم - زكريا أحمد - بيرم التونسي)، إذ جاءه اتصال بـ الواتس أب من صديقه "أبو نعيم"، الذي هاجر قبل بضع سنوات بواسطة القارب المطاطي، عابراً إلى اليونان، في عمق أوروبا، حتى استقر في هولندا. أوقف جهاز التسجيل، ورد على المكالمة.

قال أبو نعيم: بعدك صامد في إدلب يا بطل؟

قال أبو نادر: بطل؟ كبر عقلك يا زلمة.. وين البطولة في إنك تحط راسك بين الروس وتصير رؤوسكم متل جرزة البقدونس وتستنوا حتى يقرر شي مجرم إنه يدبحكم أو يفرمكم؟..
قال أبو نعيم: أنت دائماً بتاخد الأمور بشكل هزلي يا أبو نادر. يا أخي النزوح بيخلي الواحد عَ القليلة يمرق من الموت. ليكنا نحن، مرقنا.

قال أبو نادر: أشو هالحكي؟ يعني رئيس هولندا ما بيطب عليكم براميل؟


قال أبو نعيم: هون في هولندا ما عندنا رئيس. في ملك.

ضحك أبو نادر وقال: ملك؟ يعني رجعي.

قال أبو نعيم: يا أبو نادر هون ما في حاكم رجعي وتقدمي، وما في واحد متدين وواحد علماني، في دولة حيادية بتحاول تكون على مسافة وحدة من المواطنين، وتأمن لهم أكبر كمية ممكنة من أسباب السعادة..

قال أبو نادر: طمنتني. بتعرف يا أبو نعيم؟ أنا مبارحة بالليل لما حطيت راسي ع المخدة وبدي أنام خطرت لي فكرة كتير ذكية. متلما بتعرف أنا ذكي. لما كنت زغير كان أبي معجب بذكائي، ولما يوزع علينا الخرجية اليومية كان يعطي لكل واحد من إخوتي ربع ليرة، إلا أنا، كان يعطيني نصف ليرة.

قال أبو نعيم: أنا عندي فكرة عن ذكاءك الخارق. بس ما قلت لي أيش هيي الفكرة الذكية اللي خطرت لك؟

قال أبو نادر: لما بتعيش في دولة ما بتعتقل حدا كرمال الرأي، وإذا اعتقلته ما بتموته تحت التعذيب، مستحيل يموت في هالدولة حدا تحت التعذيب، وإذا هالدولة ما بتطب براميل عالشعب صعب كتير حدا يموت بقصف البراميل.

ضحك المجتمعون على الماسينجر. وقال أبو إبراهيم:
- أنا بقول كمان إنه مستحيل يكون حدا مو عايش في سورية ويعرف يحكي متلما بيحكي "أبو نادر". نحن الحمد لله ثقافتنا البراميلية واسعة.


قال أبو زاهر: نعم. أول شي الهولنديين راح ينتظروا منك تتمة النكتة. وإذا عرفوا إنها خلصت راح يبلشوا يسألوك أسئلة. إنه، مثلاً، شلون يعني المواطن ينحبس مية سنة؟ و: هوي في الأساس قديش الحكم تبعه؟ إنته بتقول له: الله أعلم. بينط واحد تاني وبيقلك: كيف يعني الله أعلم؟ مو كل سجين بيدخل السجن بيتحاكم وبيصدر بحقه حكم محدد؟

لاحظ كمال الحماس الكبير الذي أبداه أبو زاهر للمثال الذي ضربناه عن نكتة سورية افترضنا أنها ألقيت في هولندا. فقال:
- أنا برأيي نعطي المجال لأبو زاهر يتابع حديثه عن موضوع السجن، ومنأجل حديث "أبو نادر" للقسم التاني من السهرة.

أبدى الحاضرون موافقتهم، فقال أبو زاهر:
- الهولنديين مستحيل يضحكوا ع النكتة لأنه مو ممكن تروح من بالهم صورة الإنسان الهولندي اللي لما بيرتكب جريمة أو جنحة أو مخالفة كيف بيستدعوه للمثول أمام المحكمة، وبعدها بيروح وبيجي مرات، لحتى القاضي يستكمل كل مستلزمات وثبوتيات القضية، وبيصدر بحقه حكم بالسجن لمدة محددة. أنا مستعد إحلف يمين وإتحمل الإثم الخاص فيه، على إنه ما في هولندي بيعرف إنه عدد المساجين اللي بيدخلوا على سجن تدمر لا يساوي عدد الخارجين منه!

في ناس في سجن تدمر بيموتوا من السل، وناس بيصير معهم كساح، وجلطات، وقصور الكلوي، عدا عن إنه مدير السجن المجرم فيصل غانم كلما إجا زيارة ع السجن، السجانين بيضحّوا له بواحد.. قصدي بسجين. بيقتلوه، وبيطلبوا من ناظر المهجع ياخده لجوه، وبعد شوي بيدق الباب وبيبلغ القتلة إنه مات جوة بسبب مرض مفاجئ. والأهم من هالشي كله إنه ما في حدا بيحسن يقنع الهولنديين إنه عشرات الألوف من المساجين اللي كانوا في تدمر هني سجناء رأي، لأن القانون الهولندي ما بيسجن أصحاب الرأي أصلاً، ومو بس هيك، في نسبة فوق التسعين بالمية من المساجين بريئين حتى من قول الرأي اللي انسجنوا منشانه، بتعرفوا أنا أيش صار معي لما مثلت أمام القاضي المجرم فايز النوري تبع محكمة أمن الدولة؟ بقيت مدة طويلة في المعتقل بلا محاكمة، وخلالها مليت من كتر النصائح اللي وجهها إلي زملائي، الشاطر يقلي: لما بتوقف قدام فايز النوري أوعى تحكي. أوعى تدافع عن نفسك. أوعى تفرجيه إنك مزعوج من الوضع. وأنا قبلت النصائح لأن في السجن مستحيل سجين يضحك على رفيقه أو يغشه أو يورطه. لوقت ما أخدوني ع المحكمة. كانت محكمة لو شافها الهولنديين كانوا فقدوا عقولهم. بتدخل لعند القاضي، بتشوف كل ملامح الإجرام مرسومة على وجهه، بيفتح إضبارتك، بيقرا اسمك الثلاثي وإسم والدتك. بيقرا تهمتك أو مجموعة التهم تبعك. بيقول لك: عشر سنين.

الجواب الوحيد اللي مسموح لك تقوله هوي: يحيا العدل. هيك وصوني رفقاتي. وأنا قلت له: يحيا العدل. وهوي سكر إضبارتي وقال للحاجب: اللي بعده.

كمان ما بيعرفوا الهولنديين إني ما بقيت عشر سنين بس، إنما بقيت 16 سنة.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...