هزليات السياسة الأسدية (22)

هزليات السياسة الأسدية (22)

18 يناير 2020
+ الخط -
أفضل طريقة لتوفير الملايين

حالتْ ظروفُ بعض الأصدقاء الذين يحضرون جلسات "الإمتاع والمؤانسة" في مدينة إسطنبول دون عقد الجلسة سبعة أيام متتاليات. وحينما كتب أبو ماهر على مجموعة الواتس أنه يرحب بنا هذه الليلة في منزله، جاءت الردود كلها بالموافقة، مع إبداء كثير من الحماس. 

كتب أبو الجود على مجموعة الواتس ملاحظة قال فيها إنه يرجو أبا ماهر أن يجعل الطعام الذي سيقدمه لنا في السهرة دسماً قدر الإمكان، وأن يقدمه لنا بشكل مُبَكّر، شريطة أن تختتم السهرة بصينية كنافة، أو بأقراص قطايف محشوة بالقشطة العربية، ومغرقة بالقَطْر، أو أي شيء ينطبق عليه قول بعض المشايخ: (في البطن خَلْوة لا يملأها إلا الحلوى).. وكتب ملاحظة ثانية يقول فيها: تخيلوا، منذ أسبوع وأنا آكل مما تطبخ أختكم أم الجود. بشرفي الجوع أحسن من هذا الطعام.

سيرة الطعام التي فتحها أبو الجود جعلت الأستاذ كمال يستفيض بالشرح، خلال السهرة، عن نوعيات الأطعمة التي كان الحجي نديم شَفلح وشريكته مايا يقدمانها لزبائنهما في المطعم الذي افتتحاه على الطريق الدولي حلب دمشق بالقرب من قرية "الزربة". 

قال كمال: السيدة مايا شَرْحِتْ لشريكْها الحجي شفلحْ إنُّه الزباينْ اللي بيجوا ع المطعمْ أذواقهم مختلفة، بس نحنا لازم يتوفر عندْنا كل شي ممكن يطلبه الزبون من مأكولات شرقية وغربية، ولكن الشرط إنها تكون من الأنواع الفاخرة.. وضحكت وقالت له: أنا ممكن حطّ بين صحون المازا الصغيرة صحن حمص زغير، بس ماني مستعدة أقدم لزبايني حمص وفول وتسقية وفتة متل المطاعم الشعبية.. لأن هاي الأكلات بيعبي الزبون بطنه منها، وبتبقى الأكلات الغالية قاعدة عندنا في التلاجة.. ما عدا إنه هالأكلات بتضرب سمعة المطعم، وبينقال عنا إنه نحن فوالين وحمصانية.. 

قال أبو زاهر: أنا لحد هلق ماني شايف شي جديد في هالقصة. مايا عرضتْ على نديم إنهم يتشاركوا ويفتحوا مطعم، وبالفعل فتحوه، والمطعم اشتغل وصار يجي عليه زباين. وأكيد صاروا يحققوا أرباح. بقى وين الفكرة الجديدة؟ 

قال كمال: أنا موافقَكْ يا أبو زاهرْ بكل شي حكيتُه، وباصمْ لَكْ بالعشرة. لكن بالفعل كان في شي جديد، وأنا لسه ما حكيت لك عليه. يا سيدي، في يوم من الأيام، قعدت الست مايا مع الحجي شفلح جلسة صفا، وطلبت منه إنه يسمع منها الشي اللي راح تقولُه ويركز معها. نسيت إني أقول لك إنه شفلح بهالفترة سيطرتْ عليه عادة سيئة جداً، وهي إنه كلما حدا حكى معه بيوقف، وبيشد قشاط بنطرونه، وبيرجع بيقعد. ولما قالت له مايا هادا الكلامْ شد القشاط أكتر من اللازم، وبوقتها مايا ضحكت وقالت له: الله يعين هالقشاط عليك، راح يتمزق على قد ما بتشده، حِلّْ عنه بقى، واقعود خلينا نتفاهم. شال شفلح إيديه وحطهم ع الطاولة حتى يضمن إنهم ما يروحوا باتجاه القشاط وقال لها: تفضلي. عم اسمعك. قالت له: كان خالي الحاج اصطيف الله يرحمه رجل غني وبخيل وما بيفهم بالدنيا غير بجمع المال، حكت لي أمي إنه مرة من المرات، في الخمسينات، أجوا ناس عرضوا عليه يترشح للبرلمان، فغضب وزعل وقال: أنا أشو بدي من هالعلاك؟ خلوا السياسة لأهل السياسة، وخلوا المصاري لأهل المصاري. قال شفلح: بربي خالك كان رجل فهيم. قالت له مايا: لا هو فهيم ولا بطيخ. بس هيك كانت العادة في هديك الأيام. كانوا أهل السياسة لحالهم، وأهل المال لحالهم.. أما هلق متلمانك شايف.. بيكون الواحد جاية من ضيعة بعيدة، وما بيعرف يلبس، ولا بيعرف ياكل، ولا بيعرف يحكي، ولا بيعرف يتضحك، وما في بشخصيته ميزة غير إنه بعثي، بعد فترة بتلاقيه صار يلبس ويحكي ويضحك وياكل بالشوكة والسكين، ويركب سيارات.. وبيصير عنده فيلا ومصاري والذي منه، وبيبلش بقى يدور على منصب، مدير دائرة، رئيس منظمة، عضو مجلس شعب.. ليش؟ لأنه السياسة نفسها بتجيب مال، والمال بيجيب سياسة، وعلى هيك ومتله. 

قال أبو إبراهيم: هاي المَرا مبين عليها فهمانة كتير.

قال كمال: وفيلسوفة كمان. منشان هيك كان بطل قصتنا ينتظر كلامها بفارغ الصبر، ولما هيي تحكي كانت عيونه تبقى معلقة فيها. وبالأخير قال لها: (أنا من إيدك اليمين لإيدك الشمال، إنتي فصلي وأنا بلبس. احكي لي وشربيني فكرتك بالملعقة. إشو لازم أعمل؟) قالت له: أول شي لازم تقعد مع رجال السياسة والأعمال. وهاي الشغلة أنا بساعدك عليها. كلما بتجي منهم مجموعة لهون أنا مستعدة أخليك تقعد معهم. وخلال القعدة بتركز على أحاديثهم وبتتعلم منهم. وتاني شي انتخابات مجلس الشعب الجاية باقي لها شي سنة ونص، ومن هلق لوقتها لازم تجمع مبلغ كبير وتحطُّه على طرف، لأنه مستحيل تصير عضو مجلس الشعب من دون ما تفت عملة. وعلى قولة المتل: اللي بده يطلع لفوق لازم يطعمي تسعة وياكل هوي العاشرة. قال لها: الربح تبع المطعم فيني أشيله على طرف، منيح هيك؟ قال له: لا والله مو منيح، هادا الربح يا دوب يطعميك خبز. فضحك هوي وقال لها: يا شريكتي إشو عم تقولي؟ اليوم ربطة الخبز بعشرين ليرة، يعني إذا باكل كل يوم ربطة خبز بالشهر بيكفيني ستمية ليرة، بينما حصتي من ربح المطعم أكتر من ميتين ألف ليرة كل شهر. قالت له: طول عمرك وجهك وجه فقر. إشو الميتين ألف بتساوي؟ يا نديم إنته لازم تفكر بالملايين. بتحب أحكي لك شلون الواحد بيحسن يجمع ملايين؟ قال لها: مع إني ماني مفكر بالملايين، بس إشو عليه؟ زيادة الخير خير.

(للقصة بقية)

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...