توفيق صالح يحكي عن أيامه الطويلة في السينما (3-5)

توفيق صالح يحكي عن أيامه الطويلة في السينما (3-5)

09 سبتمبر 2019
+ الخط -


ـ نصل الآن في استعراضنا لمشوارك السينمائي، لآخر فيلم أخرجته في مصر قبل سفرك، وهو من أقل أفلامك التي لاقت حفاوة نقدية، فيلم (السيد البلطي) والذي تم عرضه بعد طول ركنة، هل أثار أزمات هو الآخر؟ آه، بس مش مشاكل سياسية، هي مشاكل جنسية أكثر (يضحك) تقدر تقول أثار أزمات بدون قصد والمشكلة إني لم أكن موجودا في مصر وقتها. هو الفيلم أصلا اتكتب سنة 63 عن رواية صالح مرسي، وكان وقتها صلاح بو سيف لا يزال رئيسا لمؤسسة السينما.

لما أخذوا مني فيلم (بين القصرين) وادوه لحسن الإمام، وفضلت مش لاقي شغل، اشتكيت وقلت أنا عايز أمشي من المؤسسة بدل ما أنا مربوط بيها من غير شغل، فقالوا لي إنت بترفض الأفلام، قلت لهم غير صحيح، قالوا طيب خد القصة دي، قلت لهم حاضر وأنا جوايا مش عايزها، بس كان لازم أبطل حججهم في إني أفضل عاطل عن العمل. عملوا مليون إشكال وكل حاجة يطلبوها أقول حاضر. في الأول جابوا سيناريست يشتغل معايا، ومن غيرالدخول في تفاصيل كتبت أنا السيناريو بنفسي من غير ما أعمل مشاكل، لكن برضه أخدوه وركنوه، والحجة إنهم مش عايزين يعملوا الفيلم لإنه السيناريو مش كويس، طيب هل في ملاحظات محددة عشان نراعيها، ما حدش يرد.

ومرت السنين لحد سنة 67، وبعد الهزيمة والبلد بقت في حالة مختلفة نفسيا وعقليا، تم تغيير إدارة المؤسسة وجه واحد إسمه عبد الرازق حسن، كان شغلته ياخد الفلوس القديمة اللي اتصرفت جوه المؤسسة وما جابتش نتائج ويستفيد منها.

أنا كنت واخد عربون على حساب فيلم (السيد البلطي) بس ما اشتغلتش فيه بسبب تعطيلهم للفيلم، فتقرر فجأة إني أروح بعد 15 يوم أبدا تصويره، فقلت لهم إزاي؟ الناس ظروفها اتغيرت في البلد، وده فيلم اتكتب في مرحلة تانية خالص، فعلى الأقل لازم تتم إعادة كتابته بما يتناسب مع الحالة الموجودة في البلد دلوقتي، قاموا ندهوا مخرج آخر بلاش نذكر إسمه وقالوا له اعمل الفيلم ويا توفيق يالله رد العربون، ما كانش معايا فلوس إطلاقا، قلت لهم خلاص هاشتغل، ولكن أنا ما أقدرش أخرج من ظروف بلدي وواقعها.

في أثناء التصوير بدأت أعيد الكتابة، وكنت مقيد طبعا بعدد معين من الديكورات وموضوع معين وممثلين معينين كان تم الاتفاق معاهم على أساس السيناريو الأول، فلازم لما أعمل تعديل يبقى في حدود دول، وكانت النتيجة إني كل ليلة أقعد أكتب وتاني يوم الصبح أصور، وغيرت الرواية بما يمكن تسميته مفاهيم ما بعد 67، ولكن البيئة طبعا فضلت بيئة صيادين وطبقا للرواية فحضور الجنس عندهم طاغي، وده كنت واضعه في الاعتبار وأنا باشتغل، وصورت الفيلم وأقدر أقول دلوقتي إن عيب الفيلم الحقيقي أن حواره كتير، وده جاي منين، إني عايز أقول كلام جديد مش موجود، والمفروض لو عندي حرية كتابة سيناريو أني أعمل أحداث جديدة تقول الكلمتين اللى عايزهم، بس مش قادر لأني محكوم بديكور معين، لذلك أروح مقعّد الممثلين وأكتب حوار أقول فيه اللى أنا عايزه، وهذا عيب كبير في الفيلم. طبعًا لازم أقول لك حاجة بين قوسين، إنه قبل الموافقة على التصوير طلبت منهم يسفروني عشان أقعد في الاسماعيلية 15 يوم وأتعهد بإني أعمل لهم فيلم جديد وموضوع جديد متناسب مع اللي بيحصل في البلد، لكنهم رفضوا، قلت لهم لا يمكن عمل هذا الفيلم بهذا الشكل بعد 67، قالوا لا إحنا عايزين ده، قلت لهم طيب بلاش أنا هاسافر على حسابي الاسماعيلية بس سيبوني أكتب، قالوا لأ.

ـ طيب، هل أثار الحوار الذي أضفته مشاكل سياسية؟
لا، مش ده اللي أثار مشكلة، هو الفيلم في الأساس كان في حاجة مهمة فيه حاولت أبرزها في السيناريو اللي كتبته في الأول وأؤكد عليها أكتر بعد كده، إن في خط متوازي بين العلاقات العائلية والتكنولوجيا الجديدة اللى داخلة المجتمع، وبين الانفتاح علي الجنس وهذه التكنولوجيا الجديدة، دول خطين متوازيين، كنت أقطع من خط إلى الآخر، وفي أجزاء معينة في الفيلم كانت في رأيي بتدي دلالات مهمة على الخروج من التخلف والماضي حتى لو في تحرر اجتماعي ليه علاقة بالجنس، كل ده تم قصه في الرقابة طبعاً، أنا شفت الفيلم مؤخرا في التلفزيون في مرة عرض نادرة، ما كنتش فاهم خالص إيه اللي بيحصل فيه وأنا مخرجه وكاتبه. صحيح مع الجنس كان في جملتين ثلاثة ليهم علاقة بالسياسة، ومشهد ليه علاقة بالسياسة قصوه بالمرة، وللأسف اتشال من الفيلم كتير.

ـ وبالتالي هذا ما جعله أقل أفلامك أهمية؟
وجعله أيضا أقل الأفلام التي أنا راض عنها. بس برضه لما شفته مؤخرا في التلفزيون لقيت فيه لحظات مهمة، لكن برغم ملابسات صنعه، كانت أتمنى على الإقل إنه يتعرض كاملا عشان يتحكم عليه بشكل كويس.

ـ مشاعرك كإنسان وكمواطن بعد هزيمة يونيو 67، كيف طورت موقفك من الثورة؟
أعتقد، ولو أني لا أحب أن أقول هذا، أني لا أزال حتى الآن متأثراً بهزيمة يونيو، ولا أزال أعتقد أن مبالغات النظام وكذب النظام جعل الصدمة تكون كبيرة جدًا علينا، وأنا واحد من الذين كانت الهزيمة داخلهم أكثر من الهزيمة العسكرية.

ـ طيب ما حكيته عن مناوشاتك الفنية مع النظام، وعن ما كنت تحمله من آراء سياسية مختلفة مع النظام، بتطرحها من خلال أفلامك وبتثير شك المسئولين وغضبهم، كيف استطعت أن تنجو في هذه الفترة من بطش النظام بأشكاله المختلفة؟

بأمانة ما اعرفش، يعني المفروض ما تسألنيش أنا، تسألهم همّا. (بعد لحظات صمت وابتسامة حزينة) يعني أنا ما أعرفش المفروض تنشر الكلام اللي هاقولك عليه ولا لأ. أنا كنت في الفترة دي صديق لكثير من اليساريين النشطين في المعارضة للنظام، وكان دوري الوحيد اللي لعبته كمواطن بعيدا عن ما عملته كفنان، إني كنت أحيانا أخبّي الناس المطلوبة من البوليس في بيتي، لإني ما كنتش متجوز وقتها ، ده كان دوري في حدود وبشكل شخصي، ما اعرفش هل صح أقول الكلام ده دلوقتي، لأني أخاف أن يبدو هذا شيئ مهم عملته في حياتي، وهذا في الحقيقة كان واجب.

(برغم أنني خضت نقاشا طويلا مع الأستاذ توفيق في أهمية نشر هذه النقطة لتوثيق دوره الإنساني ولتوثيق تفاصيل تلك المرحلة، إلا أنه كان يشعر أن نشرها ربما يفهم أنه يرغب في إضفاء الأهمية على دور شخصي لعبه باختياره، والحقيقة أن موقفه هذا كان دالاً على شخصيته شديدة النبل والتواضع، برغم أنه في الوقت نفسه لم يخش كما تلاحظ في الحوار من أن يقول آراءه بصراحة، ودون أن يخشى ما يمكن أن تتسبب فيه من ردود أفعال. على أية حال لم يتح للحوار أن يحظى بمساحة كبيرة في النشر، لأن المسئولين عن النشر في المجلتين، رأوا أن توفيق صالح لا يستحق نشر حواره على حلقات، ولذلك لم أجد نفسي مضطراً لنشر هذه الجزئية، وأعتقد أن من واجبي الآن نشرها، وأظنك تشاركني هذا الرأي).

ـ طيب أستاذ توفيق، ماذا غيّرت فيك وفاة عبد الناصر؟
شوف. أنا كنت في سورية وقتها. كنت سبت البلد بعد السيد البلطي.

ـ هل كنت قررت الهجرة النهائية بعد تكرر المشاكل؟
لا، أنا كنت ذاهب للتعزية في وفاة حماتي. وأثناء سفري عرضوا (السيد البلطي) في السينما دون معرفتي، برغم وجود اتفاق على عدم عرض الفيلم بدون وجودي، وعند عرض الفيلم هاجت الرقابة عليّ بشكل قوي، وطالبت بمعاقبتي ومحاسبتي وعمل قضية ليا، طيب ليه؟ الحكاية يا سيدي أنا كنت طابع قبل سفري 6 نسخ، وكنت برغم كل المشاكل اللي واجهتها معتز بمستوى الفيلم الفني، وفعلا هو أهم فيلم صنعته على مستوى الصورة، كلمتك عن مشاكله الدرامية، لكن على مستوى الصورة كنت معتز جدا بما قدمته، للأسف ما كان يحدث في الرقابة إنك تعطيهم نسخة بوزيتيف، وما لا يعجبهم من الفيلم يقصوه ويعطوك الأجزاء المقصوصة، طالبين أن تعطيهم نيجاتيف الأجزاء المعترض عليها.

وبالفعل تم قص نسخة الرقابة، لكن لم يدرك أحد أن هناك 5 نسخ أخرى، وخلال سفري لسوريا، هذه النسخ تم عرضها في دور العرض دون قص، وحسب القانون هذا تحدي للرقابة فلازم يُسحب الفيلم من السوق، وبعد 4 أيام من العرض هاجت الرقابة وبعثوا يسحبوا النسخ من المنصورة والأقاليم، وواعتبروا أنه يجب سجني ومحاكمتي لأني خالفت تعليمات الرقابة، برغم إني كنت مسافر، وللأسف زي ما حصل في فيلم (يوميات نائب في الأرياف)، سحب فيلم (السيد البلطي) من السوق أثر على سمعته، يعني من ناحية القيمة الفنية هو مش وحش لدرجة إنه لا يتم عرضه، وبدلا من عرضه بعد حل المشكلة وضعوه في المخازن ولم يتم عرضه على الإطلاق، زعلت جدا أيامها، وللأسف ما كانش ده نهاية المطاف في المضايقات، يعني حتى بعد عرض فيلم (يوميات نائب في الأرياف)، اقترح عبد الناصر بعد إعجابه بالفيلم إني أعمل فيلم عن القاهرة في ألف سنة، وجاء عبد الحميد جودة السحار خلال توليه لمسئولية السينما وقال لي، ورحبت بالمشروع، لكن قعدوا كذا شهر مش عايزين يتعاقدوا معايا بدعوى عدم وجود فلوس بينما يتعاقدوا أمامي مع غيري علي أفلام حصلوا عنها على فلوس ولم يتم عملها حتى النهارده.

ـ منتهى الغرابة والعبث إنه حتى إعجاب رئيس الدولة بيك لم يوفر لك فرصة عمل؟
(يضحك) دي حكاية الإعجاب بشغلي دي طلعت مصيبة لي، يعني في اتنين زملائي وهما الأستاذ عاطف سالم والأستاذ صلاح أبو سيف، كنت كلما أروح عشان أتعاقد يقولوا لي مافيش فلوس في المؤسسة، بينما الزميلين قبضوا وتعاقدوا على أفلام لم يتم عملها. كان المفروض يكون فيلم (القاهرة في ألف عام) فيلم غنائي استعراضي من كلمات صلاح جاهين وتلحين كبار الملحنين، وكنت على وشك إني أحقق حلم عمل فيلم ميوزيكال على مستوى عالي. أيامها صديقي العزيز نجيب محفوظ كان باع رواية (السراب) للمؤسسة، وكان شاهد فيلم (يوميات نائب في الأرياف) وتأثر جدا بمستواه، وقال لي: يا توفيق نفسي قبل ما أموت تعمل لي فيلم، ولما باع رواية (السراب) للمؤسسة، طلب من المؤسسة إن توفيق صالح يخرج الفيلم، وعشان هذه الكلمة فجأة لا ماجدة بطلة الفيلم عايزاني، ولا الإدارة بتاعة المؤسسة عايزاني، وقالوا لنجيب: كل فيلم بيعمله بيجيب لنا مشاكل بلاش، مع إن نجيب عارف كل التفاصيل وإن ده مش حقيقي.

المهم سافرت عشان أحضر العزاء، وهناك في سورية بمجرد أن عرف المسئولين عن السينما بوجودي، قالوا لي أعمل فيلم بينما أنا مش لاقي شغل في مصر فوافقت، لكن العملية ما تمتش بالسهولة اللي كنت متخيلها، وفي الفترة دي مات عبد الناصر وأنا لسه في سوريا باحاول عمل مشروع مع مؤسسة السينما السورية، وقبل موت عبد الناصر كانت عملية أيلول الأسود حدثت وأنا في سوريا، وأزعجني ما حدث جدا، وكانت الشهادات التي نسمعها من العائدين من الحدود بشعة جدا، اتخضيت وعمري ماكنت متخيل حدوث هذا.

لما عبد الناصر مات، من غضبي وحزني جت لي أزمة قلبية، والدكتور قال لي لازم تقعد في السرير، وقعدت أسبوع كامل في السرير، وأثناء الإقامة الجبرية دي ألحت علي فكرة في دماغي كانت موجودة قبل كده بأربع سنوات وهي إني أعمل فيلم من رواية (رجال في الشمس) لغسان كنفاني، والمفروض إني كنت هاعملها قبل كده في مصر، لكن ما اتوفقتش في ده، فما صدقت تيجي لي الفرصة إني أعملها في سورية.

ـ أنا آسف، قبل ما ندخل في تفاصيل عمل الفيلم في سوريا، مهم إنك تحكي عن تفاصيل فشل عمل القصة في مصر، خصوصا إن النظام وقتها في كل صحفه ومجلاته كان بيحث صناع السينما على عمل أفلام عن القضية الفلسطينية أو القضية العربية زي ما كان بيتقال وقتها، وما أعتقدش إن كان في فرصة لعمل فيلم أفضل من رواية لغسان كنفاني، والرواية دي بالتحديد هي من أعظم شغله، فمعلهش ممكن تكلمني شوية عن تفاصيل هذا المشروع؟

زي ما قلت لك في الفترة دي مسئولين السينما في مصر لا عايزاني أشتغل ولا عايزيني أمشي من المؤسسة وأهاجر، ومش معقولة كده هافضل مش لاقي شغل، وورايا مصاريف عيال وإيجار شقة، وفي محاولة من محاولات الشغل، اخترت إني أعمل في مصر فيلم عن رواية (رجال في الشمس) وحصلت علي كل الموافقات اللازمة حتى وصل الأمر إلي حاجة إسمها الانتاج المشترك، يرأسها واحد إسمه فتحي ابراهيم، وهو لا يعرفني وواضح إنه كان بيعتبرني مخرج صغير، فجاب لي مخرج مشرف هو الأستاذ هنري بركات، قمت سألته هل بركات مشرف علي الإخراج أم على الإنتاج، فقال لي: لا.. هو مشرف علي الإنتاج، وإحنا هنعمل الفيلم إنتاج مشترك مع العراق، كنت عايز أشتغل بأي طريقة فوافقت، قال لي: عايزك تروح العراق تصور القِباب الدهب عشان عايزين ناخد فلوس من العراقيين، أنا عمري ما كنت سمعت عن القباب الذهب أصلا، وفهمت إنه قصده على قباب المساجد الذهبية، لكن قلت له: إزاي وإيه علاقتها بالفيلم، دول أبطال الفيلم 3 فلسطينيين بيعدوا الحدود بين العراق والكويت مجرد تعدية، قال لي باستغراب شديد: 3 إيه؟ قلت له: ثلاثة فلسطينيين، قال لي بمنتهى الدهشة: طب إحنا مالنا ومالهم.

هذا الكلام حدث سنة 64 بعد معركة الكرامة بحوالي شهرين، وكان بركات حاضر الجلسة فنظرت له ملتمس إنه يساندني ففوجئت بيه بيقول: "يعني مش ضروري يبقوا فلسطينيين.. ممكن يبقوا ناس رايحين يدوروا علي لقمة عيش في الكويت"، قلت له وأنا باحاول أكتم غضبي: لأ ما ينفعش طبعا، قال لي: طيب إحنا نتكلم في الموضوع ده في وقت تاني، ودفنوا المشروع في الأدراج. (يتنهد بحزن ويصمت قليلا ثم يضيف) المهم بعد وفاة عبد الناصر وأنا قاعد في السرير في سوريا أتأمل أحوالي وأحوال بلادنا جاءتني الفكرة إني أعمل الفيلم في سوريا، أول ما قمت من السرير كتبت ملخص وقدمته لمؤسسة السينما السورية فوافقوا عشان يخلصوا مني في الحقيقة لأني كنت حسب العقد قدمت لهم قصة فرفضوها ومشروع فرفضوه.

ـ نفس الحكاية برضه في سورية؟
(يضحك) آه، تخيل.
ـ عن ماذا كنت تدور هذه القصص؟

الأول بدأت باختيار كذا قصة من الأدب السوري فرفضوها واحدة ورا التانية، بعدها رحت أنا وسعد الله ونوس عملنا مشروع بنحاول نستلهم فيه أجواء ما يحدث بعد 67، والقصة بتحكي عن حرامية كل فترة يروحوا يسرقوا قرية، ففي المرة الثالثة قامت القرية قررت تروح العاصمة عشان يطلبوا الحماية، وكل ما يروحوا وزارة يلاقوا مبنى الوزارة دبابات وأسلحة، وممرات الوزارات كلها سفارات وصور، وتنتهي مقابلة كل وزير بنشرات ومنشورات، وزير الدفاع يروحوا له، يطلع لهم استعراض جيش وهمى، المهم يرجعوا القرية ويواجهوا المشكلة نفسهم.

ـ يعني يا أستاذ توفيق، معقولة توقعت الموافقة على مشروع كهذا وفي سورية؟
(يضحك) المهم، حاولت أعمل المشروع، لكن اترفض المشروع وطلعوا سعد الله ونوس من وظيفته، كان حاجة كده زي مدير إدارة المسارح، فوقفوه عن العمل، ولما اتعلمت من التجربة إن أي نقد لسوريا مرفوض برغم كل اللي بيتقال عن أهمية النقد الثوري والحرية الإبداعية، فجبت مشروع فلسطيني إسمه (عرش فلسطيني)، لكن إنتاجه وقف لأن تكلفته غالية وطلبوا إنتاجه مع مصر، فمصر رفضت الفكرة، وطبعا ما كانش ده شيء غريب، كل الكلام ده حصل من سنة 70 لغاية سنة 71، والمهم لما تقدمت بمشروع فيلم (رجال في الشمس) أعتقد إنهم وافقوا عشان يخلصوا مني (يضحك).

لما بافتكر دلوقتي تفاصيل عمل المشروع، في رأيي إن كمية الغضب اللي كنت مشحون بيها، هي اللي خلتني أكتب السيناريو في 18 يوم، كنت باقعد أشتغل كل يوم 14 ساعة، وده اللي مخليني أعتبره أحسن أفلامي، لكن برضه ما سلمش من المشاكل، يعني بعد ما اتعرض، وزارة الخارجية الكويتية بعثت احتجاج للخارجية السورية، وتقريبا اتمنع من العرض في كل الدول العربية لإنهم شافوه فيلم بيحرض الفلسطينيين على الأنظمة العربية، لكنه عرض في أوروبا في وقت مهم وساهم في فتح السوق لكل المخرجين العرب في أوروبا، وهو اللى خلى النقاد الفرنسيين يهتموا بالفرجة أكتر على أفلام مختلفة فنيا من مصر وسوريا ويكتبوا عن السينما العربية الفنية، وأقدر أقول لك بمنتهى الوضوح إن الفيلم ده هو اللى خلّى يوسف شاهين يبقى يوسف شاهين دلوقتي بالنسبة للمهرجانات الدولية، وإنه كان بداية فتح الباب للاهتمام بالسينما العربية.

نكمل غداً بإذن الله...

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.