عبد الباسط الساروت لا يمثلنا

عبد الباسط الساروت لا يمثلنا

08 يونيو 2019
+ الخط -
لا يمكن أن تمرّ حادثة كاستشهاد عبد الباسط الساروت دون أن أشارك بها كما يفعل الجميع، ولذلك أفتح اللابتوب وأكتب في السطر الأول: عبد الباسط الساروت يمثّلنا.. تفرقع ضحكة بريّة من زاوية الغرفة، ثم يقول صاحبها: بالله عليك؟ من وين لوين أمثّلكم؟

أنا: بل تمثلنا ما أدراك أنت.. أنت تمثّل ثورتنا..

الصوت: ثورتنا.. نا، ألا تخجل من نفسك؟ يا رجل إن الغبار الموجود في شعري قادر على إغلاق رئتيك، انظر إلى نفسك، فنجان قهوة ساخنة بجانبك وموبايل حديث وكومبيوتر محمول وغرفة باردة وهادئة وسماعات في أذنيك. ماذا تسمع؟ لا شك أنك تسمع أناشيدي في المظاهرات..

أنا: لا، أسمع موسيقا عالمية، أناشيدك أقسى مما يجب، تتعب القلب والروح.

الصوت: يا عيني.. يضحك بشكل أقوى من السابق. يمثلنا وثورتنا وموسيقا عالمية، والله أنتم لا تستحون.

أنا: ما شأنك أنت. أنت الآن ميت. ليس عليك سوى مشاهدتنا ونحن نبكيك، استمتع يا أخي استمتع.

الصوت: حسناً.

أنا: اجلس الآن حتى أجمع عنك بعض المعلومات من حسابك الشخصي على فيسبوك.

الصوت: لن تجد.

أنا: ماذا؟

الصوت: لن تجد حساباً على فيسبوك ولا غيره.

أنا: ويحك وهل يوجد ثائر بدون فيسبوك؟ أنت شخصية معروفة، هل تعلم كم مليون لايك كنت ستجمع من الفيسبوك؟

الصوت: وهل كانت تلك اللايكات ستعيد إليّ بيتي في حمص؟ إخوتي؟ أبي؟ هل كانت ستتحول إلى طلقات في مخزن بندقيتي؟

أنا: لا طبعاً، ولكنك ستصبح معروفاً.

الصوت: الجميع يعرفني.

أنا: لماذا لم تخرج إلى تركيا؟ لماذا لم تطلب اللجوء في دولة أوروبية ما؟

الصوت: لا يوجد ثورة هناك، لدي حنجرة وبندقية ولا فائدة منهما إلا هنا.

أنا: يا أخي أنت مُزعِج.

الصوت: أنا مُحرِج، مُحرِج لكم يا من ترتبطون بثورتكم عبر سلك شاحن الموبايل.

أنا: ما علينا.. يقولون إنك متطرف؟

الصوت: نعم، أنا متطرف رقص وغنى في المظاهرات مع فدوى سليمان العلوية فيما كنتم مشغولين بمؤتمرات وندوات حول مستقبل العلويين السياسي، ومتطرف غنى باكياً أمام نعش باسل شحادة المسيحي فيما كنتم تتغنون من خلف الشاشات بسورية الملونة الفسيفسائية، متطرف لم يتمسّح بعتبات الدول التي كانت ترقب موتنا راضية. كان حلمي يمرّ دائماً من فوهة بندقيتي لينتهي في صدر الأسد. لم أتوقف عن الغناء للثورة والشعب ولم أوجّه رصاصي يوماً إلى صدور إخوتي، وبينما كنتم تتحدثون عن المستقبل كنت أصنعه لكم، وبينما كنتم تخترعون مقاييس الثورية والوطنية وتختلفون حولها كنت أكبر من مقاييسكم، تبكون الآن عليّ وغداً ستنهشون لحمي، وسأغدو إرهابياً وخائناً..

أنا: أنت عنيد.. ستخسر محبة الناس لك.

الصوت: محبة الناس لا تقررونها أنتم، جلوسكم خلف هذه الشاشات ترقبون من بعيد لا يجعلكم آلهة تحكم علينا، الناس الذين يحبونني لا يعيشون في فيسبوك، اليوم يبكيني الجميع، الأطفال الذين غنوا معي في حارات حمص يبكون عليّ، النساء اللواتي شاركن في مظاهرات إدلب ورددن معي الأناشيد يبكين عليّ، رفاق السلاح الذين حاربت معهم وأكلت ورق الشجر معهم يبكون عليّ. رحلت وبقيت محبتي وأناشيدي، ولكن قل لي: ماذا لو طار هذا الفيسبوك، فماذا سيبقى منك؟

أنا: ... لا شيء!

الصوت: يضحك مجدداً.

أنا: ما رأيك أن تغرب عن وجهي.

الصوت: ذاهب لوحدي... أنت ممل أصلاً.

يبتعد الصوت وهو يردد: حانن للحرية حانن.. ويخفت الصدى رويداً رويداً، أنظر في اللامكان، وأقول: أنت مزعج فعلاً، كلنا حانن للحرية حانن.. ولكنك كنت "حانناً" أكثر مما ينبغي!