إلى لمى عباس مكتشفة "مذكّرة الإحضار"

إلى لمى عباس مكتشفة "مذكّرة الإحضار"

28 يوليو 2023
+ الخط -

العزيزة لمى عباس، لا أذيع سراً لو قلت لك، إنني منذ البارحة أعيد مقطع الفيديو الذي قمت بنشره على "فيسبوك"، لعناصر أمن النظام السوري الذين حاولوا مداهمة بيتك واعتقالك بعد منتصف الليل. لا أملّ منه يا لمى، لا أملّ من شجاعتك وشجاعة أفراد عائلتك، وهم يصرخون في وجوه الضيوف الثقلاء ويطلبون منهم إبراز "مذكرة الإحضار" التي تسمح لهم بمداهمة المنزل في مثل هذا الوقت لأنكم في "دولة قانون". ورغم كلّ الإعادات؛ لم تخفّ نشوتي، وأنا أسمع في كلّ مرّة، عناصر الأمن يعتذرون ويغادرون خائبين، لأنهم لم يحضروا تلك المذكّرة!

يا إلهي، كيف لم يخطر ببالنا هذا؟ تخيّلي يا لمى.. طوال 12 عاماً لم نمتلك بداهتك وذكاءك لنقول لعناصر الأمن: "قف.. أين مذكرة الإحضار؟"، كيف غابت عن بالنا؟ كيف نسينا أننا في "دولة قانون"؟ يلعن الشيطان يا لمى!

ما أعظم اكتشافك، وما أسهله، إنه كعظمة اكتشاف الجاذبية، أنت نيوتن السوري يا لمى، لقد كانت المذكرة أمامنا دائماً، ولكننا لم نرها، كان علينا أن ننتظر كلّ هذه السنوات حتى تميطي أنت عنها لثام الخفاء لنتذكر أننا في "دولة قانون".

أسترجع الآن يا لمى بعض المواقف من تلك السنوات على ضوءِ اكتشافك العظيم، كم كنّا مضحكين! كم كان أصدقائي مثيرين للسخرية والشفقة وهم يرتعدون تحت أحذيةِ عناصر الأمن وقد حطموا الأبواب بعد منتصف الليل وراحوا ينهالون عليهم ضرباً بأعقاب البنادق. كان يكفي أن يقف أحدهم ويقول: "أين مذكرة الإحضار؟"، فينتهي ذلك كلّه!

كم تبدو الآن تلك الأم مضحكة وهي تتشبّث بحذاء عسكري متوسّلة أن يترك لها واحداً فقط من أولادها الأربعة الذي اعتُقلوا في تلك الليلة. الغبية، راحت تقبّل فردة حذاء مجنّد لا قيمة له وتتوسّل دون توقف، لو أنها وقفت وقالت له: "قل للعقيد لؤي أن يأتي هو إلينا إذا كان يريد شيئاً" كما قلت، لانتهى الأمر. تخيّلي يا لمى، بقيتْ تبحث عنهم لسنوات، قبل أن تعثر على صور اثنين منهم ضمن الأشلاء التي ضمّتها صور قيصر.

إنهم قادرون على اعتقال الجميع، وقتل الجميع، وسحل الجميع، وسحق الجميع، وإخفاء الجميع

أشاهد المساكين في مجزرة التضامن وهم يسقطون في الحفرة واحداً تلو الآخر والرصاص يخترق أجسادهم، كيف لم يخطر ببالهم أن يقولوا لأمجد اليوسف: "قف.. نحن في دولة قانون"؟ كيف لم يخطر لأحد منهم أن يسأل أمجد اليوسف إن كان يحمل تلك المذكرة اللعينة؟

كيف نسينا أن نقول للدبابات التي مزّقت شوارعنا وصدورنا بجنازيرها: أين المذكّرة؟

كيف نسينا أن نقول للبراميل المتفجرة وهي تمزّق أجساد أطفالنا: أين المذكّرة؟

كيف نسينا أن نقول للأسلحة الكيماوية وهي تخنق أحلامنا: أين المذكّرة؟

كيف نسينا أن نقول لسكاكين الشبيحة: قفوا.. نحن في دولة قانون؟

كيف نسينا أن نقول للمليشيات الإيرانية واللبنانية والعراقية والأفغانية والروسية: "قولوا للعقيد لؤي أن يأتي هو إلينا إذا كان يريد شيئاً"؟

أين كنت يا لمى؟ أين كنت كلّ هذه السنوات ونحن نعمه في جهلنا؟ لماذا انتظرت كلّ هذا الوقت لتكشفي لنا أسرار مذكرة الإحضار؟

لا أخفيك يا لمى، أكلني الفضول لأعرف ما الذي شغلك عنا، فرحت أفتش في فيسبوك محاولاً العثور على إجابة، وأنا أحاول التهرّب من سيناريوهات سوداوية؛ هل كانت مُعتقلة في زنزانة تحت الأرض؟ هل كانت مُختطفة؟ هل أخفوها بطريقة ما؟ هل عذبوها؟ هل هددوها؟

ولكنني ولله الحمد، لم أجد من ذلك شيئاً، بل وجدتك بكامل صحتك، تتغنين بالقائد الرمز وجيشه ومليشياته ودعم أصدقائه وانتصاراته.. وجدتك تبكين ضباطه من المجرمين العتاة الذين فارقوا الحياة بعدما أوسعوا شعبك قتلاً وتعذيباً، دون أن يقدّموا ولو لمرّة واحدة، "مذكرة إحضار". وعرفت جيداً أنّ عناصر الأمن لم يعتذروا وينسحبوا في تلك الليلة لأنهم لم يحضروا المذكرة، بل لأنّ معارفك من الضباط والقيادات قادرون على زرع الهلع في قلب العقيد المغفّل لؤي!

تطلبين من الشعب أن يتحرّك وأن يضحي لأنك ما عدت قادرة على شراء "كيلو مشمش"، مطمئنة إياه بأنهم لا يستطيعون أن يعتقلوا الجميع؟ بالله عليك؟

قبل أن نصبح "عملاء للخارج" و"تكفيريين" و"مأجورين"، كان كل ما نحلم به هو سورية التي نستطيع أن نقول فيها لعنصر أمن "نحن في دولة قانون.. أين مذكرة الإحضار؟"

أيها الشعب، أنا قادم من المستقبل الذي تدعوكم إليه لمى، وأقول لكم إنهم قادرون على اعتقال الجميع، وقتل الجميع، وسحل الجميع، وسحق الجميع، وإخفاء الجميع، ليس لأنهم مجرمون فقط، بل لأنّ لمى وأمثالها سيرقصون فوق أشلائكم مهنئين القيادة بالانتصار على أحلامكم.

العزيزة لمى، لقد أخفيت عنك شيئاً، عندما حطّم عناصر الأمن الأبواب بعد منتصف ليلة من الليالي الأولى للثورة، وراحوا ينهالون ضرباً بأعقاب البنادق على مجموعة من الشباب، سمعوا ورؤوسهم مزروعة في الأرض تحت البساطير العسكرية صوت فرقعة صفعة، تلتها عبارة "شو قلت يا حيوان؟ شو بدك؟"، حينها خرج صوت مرتجف متردّد: "نحن بدولة قانون.. يجب أن تقدموا مذكرة إحضار". في تلك اللحظة ورغم كلّ الرعب، ضحك الجميع، الجميع يا لمى، الشباب المعتقلون وعناصر الأمن، وطوال أيام الاعتقال كان السجّان يصرخ "أين الحيوان المثقف الذي يتفلسف بالقانون؟".. فيخرج الشاب لينال نصيبه من التعذيب ثم يعود... اليوم يعيش من بقي من تلك المجموعة على قيد الحياة في دول عدّة، وبين فترة وأخرى يتذكرون "مذكرة الإحضار" ويضحكون!

العزيزة لمى.. قبل أن نصبح "عملاء للخارج" و"تكفيريين" و"مأجورين"، كان كل ما نحلم به هو سورية التي تعيشينها، سورية التي نستطيع أن نقول فيها لعنصر أمن "نحن في دولة قانون.. أين مذكرة الإحضار؟"، فيعتذر وينصرف، دون أن نعرف عقيداً في المخابرات أو عميداً في القوات الخاصة أو ضابطاً في القصر الجمهوري!