ناصري شيوعي من الإخوان المسلمين

ناصري شيوعي من الإخوان المسلمين

06 يونيو 2019
+ الخط -
قال "أبو بدر" صاحبُ المطعم الذي سهرنا فيه، بعدما انتهى أبو الجود من روايته عن المشاجرة الجماعية التي تسبَّبَ بحدوثها قبل عشرين سنة في بلدته: أشو رأيكم بصحن هيطلية مشغول عَ الطريقة السورية؟

لم يعترض أحد، وأما أبو الجود فَذَكَّرَنَا بمثل شعبي سوري يقول: الشغلة المليحة ما بتحتاجْ لمشاورة!

قال كمال: هَالمَتَلْ كتير خاطئ. لأنو المأكولات اللذيذة كلها، من دون استثناءْ، مؤذية للجسم. يعني تخيلْ، اليوم تغدينا مناسف رز وفريكة وصنوبر ولوز كلها مقلية بالسمن العربي، مع لحوم ودهون بكميات كبيرة، وبعد الغدا أكلنا حلويات بالسمن العربي محشية فستق حلبي، وهلق بدك تضيفنا هيطلية مصنوعة من الحليب والنشا والقَطْرْ وفوقها بوظة دندورما من الحليب والسكاكر.. و..

قال أبو الجود: خيو أبو بدر، إذا بتريدْ، ضَيِّفْ هيطلية للكل ما عدا الأستاذ كمال. أنا والله لو بتحطلي فوقها زَهْرَمَانْ وسْليماني وسم الأفاعي بدل القَطْرْ بدي آكل منها.


قال أبو إبراهيم: كلام الأستاذ كمال صحيح، لازم الواحد في السهرة يْخَلّي معدتو مرتاحة..
قال أبو الجود: كمان أبو إبراهيم لا تضيفو هيطلية، حتى تبقى معدتو مرتاحة. ويا ريت هدول التنين يتولوا الحكي، ونحن مناكل.

قال كمال: اتفقنا. أنا راح عَلّقْ على موضوع المشاجرة اللي دارتْ بين أبو الجود وعامل المقسم. عندي عَمّ إسمو ناصر. كان أبوه منتسب لحزب قومي "ناصري"، وسماه ناصر على اسم زعيم الأمة العربية جمال عبد الناصر، وهوي من باب النكاية بوالدو، صار شيوعي! وفي سنة 1983 هرب عمي "ناصر" إلى ألمانيا الغربية، ولجأْ فيها، وتعلم، وأخد شهادة في الهندسة الإلكترونية، وحصل على الجنسية الألمانية. سبب هروبو من سورية إنو الرفاق المناضلين كتبوا بحقو تقريرْ أكبرْ من ملحفة اللحافْ، اتهموه فيه بإنو عضو في الجناح العسكري للإخوان المسلمين "الطليعة المقاتلة"!.. وهاي التهمة عقوبتها عند نظام حافييظ الأسد إما الموت شنقاً، أو الإرسال إلى سجن تدمر ليعيش هناكْ خمسطعش أو عشرين سنة يتمنى فيها الموتْ وما يوصل له.

قال العم أبو محمد: يخربْ بيتُنْ كلابْ، شلون بيكون الواحد شيوعي، وشلون بيقولوا عنو إخوانجي وطليعة مقاتلة؟

قال أبو إبراهيم: يا عمي أبو محمد، أنت حكيتْ قدامنا مرة أنك مَضّيْتْ عمركْ في الشغل والتجارة، وما بتعرفْ شي عن شؤون السياسة ولا بتعرفْ شلون بيتعامل نظام حافييييظ مع المواطنين اللي بيعارضوه. يا سيدي، بفترة من الفترات صاروا جماعة الأمن يتلقوا التقرير من المُخْبِرْ، ويْقْرُوه، ويسجلوا أسماءْ الأشخاص اللي عم يحكي عنهم المُخْبِرْ، ويشحطوهن من بيوتُنْ عَ الفرع، ويبلشوا فيهُنْ قَتْلْ وضرب وتحاشيك على نساء عائلاتُنْ، فإذا اعترف هدول المتهمين بصحة ما نُسِبْ إلهُنْ في التقرير، بيصرفوا للمخبر مكافأة، وبيقلو ضابط التحقيق: الله محيي البطن اللي حملك يا أخي المخبر، أنت إنسان شريف ومخلص للقيادة الحكيمة، بأمثالك تُبنى الأوطان.. لاكنْ إذا طلع التقرير كاذبْ، كانوا يجيبوا المُخْبِرْ ويحطوه في الدولاب تبع المعتقلين، ويضربوه مية عصاية على رجليه ومؤخرته، حتى يْحَرِّمْ في حياتو كلها إنو يتهم الأبرياء ويسبب لهم الأذى.

قال أبو محمد: أي هيك منيحْ.
قال أبو إبراهيم: منطقياً كتابة التقارير وضرب المتهمين وحتى ضرب المُخبر هي تصرفات همجية. لاكن بهيك حالة معاقبة المخبر منيحة. المهم؛ جماعة المخابرات ما ظبطتْ مَعُنْ هاي القصة. لإنو صار عدد المخبرين يتناقص، والمخبر يقول لحالو: إذا أنا كتبت تقريرْ وتبينْ إنو معلوماتو مو صحيحة راح إنحطّ في الدولاب وإنضربْ متلما بتنضرب البغالْ. أي شو بدي بهاللوصة؟

قال أبو جهاد: والله صحيح.
قال أبو إبراهيم: وهيك بتكون عملية كتابة التقرير دخلتْ بمرحلة جديدة، وهيي إنو ما عاد في رقابة على عمل المخبر غير رقابة الضمير، وبما أنو المخبر عايش طول عمرو بلا ضمير، صار فينا نقول الله يعين الإنسان اللي بينكتب بحقو تقرير في هالبلاد المناضلة.. يعني متل عمي ناصر.

قال أبو محمد: بدك الصراحة يا أبو إبراهيم؟ إنته نَشَّفْتْ ريقنا. طيب ممكن تقلي أيش اللي خلى عمك ناصر يجي على بالك هلق ونحن عم نحكي ع المشاجرة الجماعية تبع أبو الجود وعامل المقسم؟

قال أبو إبراهيم: عمي ناصر عايش في ألمانيا من سنة 1983 لحد هلق. ومرة كنت قاعد معو، فقال لي إنو إذا بتمشي في ألمانيا الغربية قبلما تتوحد، وفي ألمانيا بعدما توحدت الغربية مع الشرقية، من الشمال للجنوب ومن الشرق للغرب، مستحيل تشوف مشاجرة جماعية أو حتى إفرادية! والله العظيم، إذا بتحكي للألمان عن مشاجرة عيلة أبو الجود مع عيلة عامل المقسم بيفرطوا من الضحك!
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...