فوبيا الديناصورات!

فوبيا الديناصورات!

28 مايو 2019
+ الخط -
عشنا في مكة المكرمة وأنا طفلة. وهي كما وصفتها الآية بلدة مقامة في وادٍ صحراوي ضيق محاط بالجبال.. "بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم". وكنا نسكن وقتها طابقاً في بيت من ثلاثة أدوار تحيطه حديقة، وكان يقع في منطقة النزهة المتطرفة "أيامها" والقريبة من الجبال جداً..

وبالتجربة عرفنا أن قوافل السحالي والأبراص الساكنة لتلك البيئة الجبلية تختبئ من صهد النهار المميت في جحورها، ثم تزاول حياتها بهمة وحماس من بعد المغرب وطوال الليل. فكنا نمر من حديقة البيت خروجاً أو دخولاً لنشاهد عائلات كاملة منها تتسكع على حوائط المبنى في ثقة وألفة عجيبة!


وكان الضوء النيون على تلك الحوائط يعطيها أحجاماً وألواناً وظلالاً مضخمة، فتبدو لعين طفلة السادسة كالديناصورات! ويزيد خوف ماما وتوجسها منهم ومروقها كالبرق مبتعدة عن أي حائط من تضخيم صور تلك الكائنات وأحجامها وقدراتها في نظري، فما دامت تخيف ماما، فهي بشعة ودموية ومرعبة طبعاً!

ناهيك عن عدد مرات كثيرة استطاع أحد صغار "الديناصورات" أو يافعيها المتهورين الدخول للبيت من فتحات أجهزة تكييف الشباك القديمة إياها، لتجد نفسك ممدداً في أمان الله على فراشك، وفجأة يطل فوقك هذا الكائن الديناصوري المرعب وهو "يتسنكح" على السقف، فتصاب بشبه ذبحة صدرية، ويحشد صراخك الشارع، بل وشارع الشارع! وتعيش مغامرة حضور الأب الشجيع للقرع والتهبيد لاصطياد البرص وقتله. أصوات كانت تصطك لها أسناني وترتعش بسببها حجرات قلبي، حتى يخرج بابا بالجثة فتهدأ عواصفي، وأستغرق وقتاً طويلاً في خيالات المغدور وما كان سيفعله بي من أفاعيل!

وكان أبي يطمئننا بأن السحالي لا تعيش إلا على الحوائط والأسقف وتخاف من الناس. لكن لا تلبث أسطورته أن تنهار عندما تسوق لي الأقدار مَن تحكي عن مأساتها عند دخول أحد الأبراص داخل عباءتها، أو داخل أكياس مشتريات السوبرماركت، أو بين طيات الملابس في الخزائن، أو اختبائه في فردة حذاء مثلاً، فتتعمق هواجسي ويرسم خيالي لتلك المخلوقات قدرات خارقة.

الآن أشاهد على ناشيونال جيوجرافيك برامج عن التماسيح والزواحف الضخمة، فأراها كسحالي مكة بالضبط. لا أنتبه لفارق الحجم والوزن أبداً. كل ما أراه هو ذلك البرص الشرير الواثق في نفسه ذي القوائم الصغيرة والرأس المجبسة، الذي يطل بعيونه الصغيرة الثاقبة باحثاً عني حتى يجدني ويهاجمني، فتصيبني رعشة شبيهة برعشتي وأنا في السادسة والسابعة!

الفوبيات تبدأ في الطفولة.. في مكامن الضعف التام.. والخيال الخصب.. والتأثر الكامل بالكبار. تبدأ هناك وتستمر طويلاً جداً.. ولا أظنها تموت.

دلالات

6FDFDD52-19D3-452D-B4D5-4BCBF97AF6F3
أماني عيّاد

مدونة مصرية حاصلة على بكالوريوس علوم تخصص كيمياء، وبعدها "ليسانس" آداب لغة إنجليزية، من جامعة الإسكندرية حيث تقيم. عملت بالترجمة لفترة في الولايات المتحدة.

مدونات أخرى