هكذا يبدو يوم الأحد لأصحاب الذاكرة الحزينة

هكذا يبدو يوم الأحد لأصحاب الذاكرة الحزينة

07 ابريل 2019
+ الخط -
تشرق الشمس صباح الأحد كعادتها في بقية الأيام، أستيقظ متأخراً فهو يوم العطلة ويوم الراحة، هو يوم الذكرى يوم اللقاء ويوم الفراق! تتشابه الأيام، فاليوم يبدو عظيماً بحجم بؤسه والنكبات التي فيه.

الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول فيه نكبة، إذا هو يوم عظيم، والعاشر من يونيو/ حزيران نكبة موصل العراق عندما احتلها تنظيم "داعش" وخرجت المدينة عن الحياة، للوهلة الأولى سيبدو عظيماً، وليس بعيداً بل في القريب، الخامس عشر من مارس/ آذار، جريمة نيوزيلندا حين اعتدى هذا الأبله على المصلين. سيكتب في تاريخ الأجيال يوم الجريمة الشنعاء، وقبل عقد من زمان احتلت أميركا بغداد في التاسع من إبريل/ نيسان، يوم نكبة بلاد الرافدين، وفي الحادي والعشرين من مارس/ آذار غرق العبارة في مدينة الموصل، يوم يرحل فيه الناس بالجملة عن الحياة، إذا هو يوم عظيم.. مصائبنا، وما أدراك ما مصائبنا، ربيع العرب الذي لم يثمر سوى الخراب والدمار يعد تاريخ نكبة وفي رواية تاريخ نهضة، ولكل قومٍ أدلتهم وبراهينهم.

أكتب وفي هذه الأثناء أسمع صوت جارتي تصرخ بوجه بناتها وتوبخهم، سيكون يوماً شنيعاً في تاريخهم، لن يشفع لهم جمال وجوههن ولا رقة حديثهن، عندما تأتي النكبة لن تسأل، هذا لطيف أو خبيث، شرير أو خيّر، ستجرف كل من يقف بوجهها.


ألم أقل لكِ ذات أحدٍ بائس كبؤسنا البادي على وجوهنا، أننا لم نخلق للحب والسعادة، خلقنا لأداء مهمة الحياة البائسة، ملامحنا الجميلة وعيوننا السوداء وثيابنا المنسقة والمقهى الهادئ لن يشفع لنا، سنشرب الشاي لا أكثر، أو القهوة لا أكثر.

الكتب التي اشتريناها زادتنا تعاسة وشقاءً، فالإنسان كلما نضج تألم، فالوعي ضرب من الألم، لهذا يبدو القرّاء والواعون أكبر بكثير من أعمارهم، يبدو لك شكلاً من أبناء الأربعين، وهو لم يتجاوز الثلاثين، لقد شاخ قبل أوانه، إن المعرفة شيخوخة مبكرة.

الشهادات العليا بكالوريوس وماجستير ودكتوراه، هي مجرد أوراق يجتازها الإنسان للحصول على ترقية وظيفية، ولا علاقة لها بشيء من العلم إلا القليل، لهذا ترى كثيراً منهم في ريعان الشباب وإن بدا أمامك في الستين، فهو لم يقرأ كتاباً إلا منذ عشرين عاماً.

العلم هو الذي يأتي عن رغبة، أن تقتطع من طعامك لأجل كتابك، أن تدخر من مالك لأجل معرفتك، فمدارس وجامعات اليوم، هي محطة من محطات صناعة العبيد، فلا حرية رأي ولا سؤال ولا استفسار، والإدارة والمعلمون فيها دوماً على صواب، وإن جاء بما لا يتطابق مع الكتاب.

كعادتنا نحن المثقفين نتفلسف كثيراً وهذا ما لا ينسجم مع رغبة الكثيرين، لأن الفلسفة تبصرك بحقيقة الأشياء، وتنقلك من الوهم والظن إلى نور اليقين، والانتقال مكلفٌ على بني البشر. على كل حال أعود إليكِ مرة ثانية، لأنه على ما يبدو أن جارتنا تركت فتياتها بحالهن ولَم أعد أسمع لها صوتاً، ولربما شفع لهن جمالهن بعض الشيء هذه المرة..

تبدو حجرتي أهدأ مكان في إسطنبول، فاليوم تعج الحياة ويخرج الناس إلى السواحل، إلا أنا أرقد على سريري أكتب هذه الكلمات، وأنتِ لا أدري بأي حالٍ أصبحتِ أو أمسيتِ، سوى أن إشارة صفحتكِ في الفيسبوك تبدو خضراء بين الفينة والأخرى، وهنا اطمئن إليكِ وأعود مرة أخرى لأعمالي، لأني لن أقول لكِ تعالي لنخرج نزهة أو نجلس في مقهى أو نذهب نحدث البحر عن أوجاعنا، أو نذهب للمكتبة نلتهم بعض الكتب منها. لقد فعلنا كل هذا، فالبحر قد زرناه وعن حالنا شكونا، والمقهى احتسينا فيه الشاي معاً، وفي المكتبة التقينا وعلى مائدة المعرفة تجاذبنا الحديث، وأمام المعابد جلسنا، صليتُ في محراب الصلاة وخرجتُ لأصلي في محراب عينيك مرة أخرى، وتعلمين أن الصلاة أنواع، وجزءٌ منها في عينيك أو بين ذراعيك نعانق أحلامنا التي رحلت منذ الأحد الذي لم يعد بعدها.