لهذا كرهت الحياة!

لهذا كرهت الحياة!

12 اغسطس 2019
+ الخط -
ما بين اليأس والأمل، الحب والحرب، الصبر والانتظار، الحقيقة والخداع، الوضوح والغموض، الصدق والكذب، العلم والجهل، الظفر والخيبة، الفراق واللقاء، الجمال والقبح، الدمار والإعمار، السفر والاقامة، تمضي بِنَا الحياة، شئنا أم أبينا رضينا أم سخطنا، تحملنا أم لم نتحمّل أعباءها هي ماضية مستمرة رغماً عن أنوفنا في أكثر الأحيان.

كثيرة هي خيبات الأمل في هذا العالم الذي لم يصطلح مع الطموحين وأصحاب الإرادات، والعزيمة العالية، فوجود الأحلام لا يعني بالضرورة تحقيقها بأيسر الطرق، فالحلم يأتي بالتراكم، تراكم التعلم والمحاولة والتكرار، والإعادة المستمرة والنهوض بعد الفشل، إن المكوث ولعن الماضي وسب التجارب، والنظرة السوداوية لن تصلح حال الإنسان، بل ولا حال الأوطان، ولكن الإفراط في الأمل في نفس الوقت تزييف للحقيقة وزراعة للوهم في نفوس شبابنا، إن بذر الأمل لا يعني حلاوة الواقع، وإنما وسط هذا الركام من اليأس يوجد ثمة أمل بإمكاننا أن نتشبث لنصنع منه سفينة نجاة، أو على أقل تقدير أن نموت ونحن نحاول ألا نموت ونحن قاعدون لا نصنع شيئاً.

شاب لم يتجاوز العقدين عصفت به رياح الحياة ما بين حرب وتشريد وهزائم متتالية على الصعيد الشخصي والمجتمعي، خسر عمله ودراسته، بل وحبيبته أضحت في بلدٍ آخر، إذا ما سألته لماذا لا تحب الحياة، سيعدد لك خيبات آلامل، ويقول لك باختصار مبكٍ: "لهذا كرهتُ الحياة ".


وبنظرة سريعة خاطفة لحياة هذا الإنسان، ستقول وبكل صدق يحق له أن يكره الحياة، ويصف بأبشع الصفات ويلعنها بلا هوادة، ولكن إلى متى اليأس يبقى صديقه، وكم ستجدي هذه الكراهية، وماذا سنجني منها، على الصعيد الشخصي والمجتمعي، لن نجني سوى مزيدٍ من الهم والأمراض وتراجع في الحياة والصحة.

فتاة لم تختم بعد عقدها الثالث في الحياة رغم جمالها وحلاوة عينيها التي تضفي على الأشقياء بهجة وسعادة، لكن الهموم قد تراكمت في رفوف قلبها، وكأن هذا الجمال الذي حباها الله به، لا يعني لها شيئاً، حتى ابتسامته خجولة يلتف حولها كمٌّ من الحزن والهم، لا يدركه أحد عن بعد، إذا اقتربت تحدثها لقالت لك: جئت إلى الدنيا في زمن الحرب، وعندما بلغتُ سن الحب، كان في البلاد حرب، وعندما أردتُ أن أعيش حياتي ساء حال بلادي فيممتُ نحو بلاد لا أعرفها، ولَم يكن لي سابق علم بحالها وطبيعة عيشها، لقد تغير كل شيء، حتى تخصصي ودراستي الجامعية لم أجنِ شيئاً منها، طويتُ صفحة الدراسة، لأفتح عيني على شقاء الحياة، ثم تسألني: لماذا كرهت الحياة؟ أعد قراءة ما سبق، لأجيبك، لهذا كرهتُ الحياة؟

لكني أقول لك إن هذا الجمال البادي على الوجه لا يعني جمال الحياة معي، لكني بجمالي هذا، أعطي لليائسين أملاً وحياة، وإن كنت أفقدهما، ففاقد الشيء يعطيه، وها أنا ابتسم معك وأضحك وكأن شيئاً لم يكن، وأعدك أنه سيأتي يوم ونصطلح مع الحياة، أو تصطلح هي معنا، والسلام.

إن عرض النماذج المتحطمة التي تعيش الواقع الأليم الذي يعصف ببلدان العرب ضرورة مهمة، وأن تصيد الناجحين دون التعويل على اليائسين ظلم وإجحاف، فاليائسون هم أناس حاولوا وأرهقهم عدد المحاولات فقعدوا عن المحاولة، فسماعهم والوقوف معهم واجب أخلاقي، والحديث عن تجاربهم رغم قساوتها ضرورة واقعية، وإلا ما فائدة، أن نركز الأمل وننسى فاقديه، أو الذين لم يظفروا به يوماً ما.

إن كل ما سبق لا يعني بالضرورة أن تكره الحياة أو أن تدعو الناس لكراهيتها أو الابتعاد معها، بل كن أنت من تأخذ أحد كارهي الحياة، إلى حب الحياة والتفاعل معها، والتأقلم مع تقلباتها، والرضا بحالتيها، ولكن احذر أن تزرع الأمل المزيف، أو تنقل الصورة الجميلة، وتنسى المنظر البشع الذي بجانبها، فالتركيز على الجوانب المشرقة، لا ينفي إطلاقا وجود المشاهد المؤلمة.