أزفّ إليكم خبر وفاتي!

أزفّ إليكم خبر وفاتي!

10 فبراير 2019
+ الخط -
توفي الشاعر الهندي منور رانا (66 عامًا)، وهذا أمر طبيعي أن يموت أناس ويولد آخرون، مش كيميا أصلها! لكن الغريب في أمر الهنود أن رانا سمع خبر وفاته بنفسه، والرجل متأثر جدًا وآخد على خاطره.

يضرب رانا كفًا بكف ويقول: آه يا بلد العجايب! بقى أدخل معهد سانغاي غاندي الطبي SGPGI ساعتين، وأرقد في العناية المركزة؛ فتموتوني بالسرعة دي، مكانش العشم!

انتشرت الشائعات بشكل يفوق الحصر، والشائعات وسيلة إعلامية قديمة متعددة الأغراض، لكن خطورتها مع مواقع التواصل أكبر. أذكر أن أبي عاد يومًا من عمله، وبعد الغداء همست أختي في أذنه بخبر ما؛ فأطرق طويلًا ثم استرجع وحوقل، واتصل بأخوالي وقال لي: والد زميلي فلان مات، وسنذهب لتأدية واجب العزاء، خليك أنت مع إخواتك لما نرجع.

وكانت للرجل منزلة في نفس أبي، وكان طبيعيًا أن يتغير وجهه بعدما سمع الخبر، وعاد أبي والسرور يفيض من وجهه، ثم قال لي: أتدري؟! ذهبنا نعزي في عمك فلان، ودخلنا البيت فلم نجد ما يستدعي الريبة، وقبل أن نفاتح أهل المتوفى ونترحم عليه، إذا بالمتوفى يدخل علينا بصينية الشاي! وكانت شائعة سمعتها أختي وشاركت في نشرها بمنتهى الكرم!


لم ينس والدي هذا الموقف لأختي، وكلما أخبرته بأمر ينظر إليها نظرة المتفحص، ثم يضحك قائلًا: متأكدة؟ ولا زي يوم فلان؟! وفطن أخي الأصغر مصطفى إلى هذا الأمر؛ فأخذ على عاتقه أن يستوثق من كل ما ينقله لأبي، وبلغ من المصداقية أن خلع عليه أبي لقب "رويترز العائلة الشبراوية"! وكان يلقِّب أحد زملائه في العمل بـ"مستر كرونكايت" نسبة إلى الرجل الأكثر مصداقية في الإعلام الأميركي والتر كرونكايت.

كما أن أبي لم يسمح لهذا الموقف بالمرور سدى؛ فلن تجد متوفى يدخل عليك بالشاي كل يوم، وذكر لنا عددًا من الشائعات المماثلة، منها شائعة وفاة الفنان عبد العظيم عبد الحق؛ فقد نشرت الأهرام - أوائل سبعينيات القرن العشرين - خبر وفاة عبد الحق في الصفحة الأخيرة، وكان الأستاذ كمال الملاخ مشرف الصفحة، وبحلول المساء كانت سمعة الملاخ والأهرام على المحكّ.

في برنامج "النادي الدولي"، وكان من أشهر البرامج التلفزيونية يومها، ويقدمه الفنان سمير صبري، شاهد الناس رجلًا تغطي جريدة الأهرام وجهه، ويبرز خبر وفاة عبد الحق، وبمشهد سينمائي محكم الحبكة تنخفض الجريدة شيئًا فشيئًا؛ ليطلّ عبد العظيم عبد الحق مؤكدًا أنه على قيد الحياة! موقف الملاخ أكثر إحراجًا من موقف أختي؛ فأم الدنيا بأسرها رأت الموقف وربما أتحفت الملاخ بدعابة ساخرة أو كلمة لاذعة.

الفنان عادل إمام ضيف دائم في مسلسل الشائعات الرخيصة، ولا يعيرها اهتمامًا لا لشيء إلا لأنه يركز في عمله، بل سخر منها في أكثر من مناسبة، والتمس الأعذار لمن لم يستطع المجيء إليه في لحظة وداعه، مؤكدًا أنه تسامح معهم؛ لأن هناك بعضهم انشغل في الاستوديو للتصوير، وهو نفسه لا يستطيع أن يلوم أحدًا منهم؛ فهو أيضًا لم يعزِّ نفسه بنفسه، لأنه مشغول في تصوير عمله الجديد!

وبما أننا دخلنا عالم السخرية من شائعات الموت؛ فيجدر بنا المرور على رمزين من رموز السخرية في مصر، وإن لم يكونا قد تعرضا لشائعة الموت.

الأول أستاذنا إبراهيم عبد القادر المازني، وقد كتب رثاءً لنفسه ورفضت "أخبار اليوم" نشره، وقال في ذلك: "أريد أن يبتسم الناس عندما يسمعون نبأ موتي، إن حياتي كلها سلسلة من المآسي، إن الدموع تجف سريعًا، ولكن الضحكة تعيش طويلًا"، ورثى نفسه في أكثر من قصيدة.

أما الثاني فهو بلدياتي، محمد عفيفي، وأوصى بألا ينشر في صفحة الوفيات، وجاء وكتب: "عزيزي القارئ! يؤسفني أن أخطرك بشيء قد يحزنك بعض الشيء، وذلك بأنني قد توفيت، وأنا طبعًا لا أكتب هذه الكلمة بعد الوفاة (دي صعبة شوية) وإنما كتبتها قبل ذلك، وأوصيت بأن تنشر بعد وفاتي، وذلك لاعتقادي بأن الموت شيءٌ خاص لا يستدعي إزعاج الآخرين بإرسال التلغرافات، والتزاحم حول مسجد عمر مكرم؛ حيث تقام عادةً ليالي العزاء، وإذا أحزنتك هذه الكلمات، فلا مانع من أن تحزن بعض الشيء، ولكن أرجو ألا تحزن كثيرًا".

وللحديث صلة..