هل تعرف ماذا جرى تحت البطانية؟

هل تعرف ماذا جرى تحت البطانية؟

18 يناير 2019
+ الخط -

في جلسة الإمتاع والمؤانسة التي عقدت في مدينة "الريحانية" عاد بنا الحديث، بناء على طلب العم أبو محمد، إلى الشاعر المخبر فلان الفلاني الذي أصبح عضواً في اتحاد الكتاب العرب رغماً عن الذي يريد والذي لا يريد، وقد أعفاه رئيس اتحاد الكتاب وصَحْبُه من شرطين أساسيين، أولهما أن يكون حجمُ كُلٍّ من الكتابين المقدمين يزيد عن مئة صفحة بينهما حجمُ كل من ديوانيه الشعريين 32 صفحة وقد جُلِّدَا على نحو رديء باستخدام (الغَرَّازة)، وثانيهما أنه سُجِّلَ في قائمة الأعضاء الأصلاء دون إبقائه سنتين بصفة عضو متمرن، فقد اعتبروه عضواً دائماً (للضرورات الأمنية).  

قلت متابعاً روايتي عنه: إن فلاناً الفلاني هذا كان رجلاً مضطرباً، مشتتاً، عندما يتحدث (يوشّ).. ولكنه، بعد حين من الزمن، تحول إلى شخص مؤذ، بغيض، ولولا حيطتُنا وحذرُنا لكان ذهب بنا (إلى حيثُ ألْقَتْ رِحْلَها أمُّ قَشْعَمِ)..

أيدني الأستاذ كمال فيما ذهبت إليه وقال: حينما كان فلان يدخل، بالمصادفة، إلى مكان نجتمع فيه نحن الأدباء، سرعان ما كنا نقطع الحديث الدائر بيننا، ونلجأ إلى سرعة البديهة لإبعاد الشبهات، فيقول واحد منا: 

- هه هه. جاء فلان، تعالوا نجعله حكماً بيننا. 

ويلتفت إليه ويقول له: أنت قادم من الخارج ولا تعرف عمَّ كنا نتحدث، ولذلك سيكون رأيك حُكْماً نزيهاً ومعتدلاً، وسنقبل به نحن بالتأكيد. بالله عليك أن تقول الحق: صوت فهد بلان أحسن أم صوت سهام إبراهيم؟ 

ولأنه لا يفهم في الموسيقا والغناء والطرب، ولا يميز بين الطيط ونغمة الصبا، وفي الوقت نفسه يخاف أن يكون لدى أحد الفروع المخابراتية شبهة أمنية على فهد بلان أو سهام إبراهيم، فقد كان يضطر لأن يغادرنا، معتذراً، متذرعاً بأنه على موعد مع أحد الأصدقاء. ونحن تسرنا مغادرتُه ونستكمل حديثنا السابق.

قال أبو عمر: إلى هذه الدرجة كنتم تخافون منه؟

قال الأستاذ كمال: السوريون، بشكل عام، يخافون من أي شخص يُشْتَبَهُ بأن يكون على علاقة بالمخابرات، ويخافون من أي شخص غريب حتى ولو لم يكن مخبراً.. وإذا كنت تريد الحق نحن لم نكن نخاف من "فلان الفلاني" لأنه ينقل الحديث الذي يسمعه بحذافيره إلى المخابرات، ولكن مصدر خوفنا أنه لم يكن أميناً في النقل، بل يصوغ المادة التي يعتمدها في كتابة التقرير بطريقة كيدية، قادرة على إثارة حنق ضابط المخابرات، وجعله يأمر باستدعاء واحد منا أو أكثر، وفتح تحقيق معه، وقد يترافق التحقيق بفلقة ضمن ما يعرف بـ الدولاب.

شكرتُ الأستاذ كمال على التوضيح وقلت: إذا سمحتم لي سأروي لكم عن موضوع الأمسية الأدبية التي أحييناها ذات يوم في بلدة "بنش" واسْتُدْعِيت أنا، على أثرها، إلى فرع الأمن العسكري على جناح السرعة.

قال العم أبو محمد: هل كان "فلان" معكم في بنش؟

قلت: لا. لم يكن معنا. على كل حال دعني أُسَلْسِلْ لك الأحداث مثلما وقعت، بدقة. مدير المركز الثقافي في بنش دعا مجموعة من الأدباء لإحياء أمسية في المركز، وكنتُ أنا بينهم، رغم أن دعوتي إلى أمسية بعد سنة 2001 كانت تحتاج إلى شيء من الشجاعة، لأن مدير المركز الذي يدعوني يمكن أن يُؤَاخَذ على ذلك باعتبار أنني موقع على بيان المجتمع المدني (المشبوه في نظر فروع الأمن). المهم أنني، في تلك الأمسية، قرأتُ واحدة من قصصي القصيرة تحمل عنوان "وقائع ما جرى تحت البطانية". 

ضحك الحاضرون، وقال العم أبو محمد: على ذمتي المخبر تبعكم رجل محترم. مؤكد أن العنوان خدش حياءَه وجعله يكتب تقريراً بحقك.

قلت للعم أبو محمد: أريد أن أسألك وأنت صاحب خبرة طويلة في الحياة. هل تعرف أنت ما هي الوقائع التي جرت تحت البطانية بدقة؟

قال: لا والله.

قلت: فما الذي خدش حياءك إذن؟

مرة أخرى ضحك الشباب الحاضرون. وتابعتُ أنا رواية الحادثة. وملخصها أنني استدعيت للمثول أمام رئيس فرع المخابرات العسكرية شخصياً بسببها. 

وللحديث صلة

   

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...