الشاعر الذي سبّ الأسد

الشاعر الذي سبّ الأسد

16 يناير 2019
+ الخط -
في جلسة الإمتاع والمؤانسة التي انعقدت في مقهى "أناتوليا" بمدينة "الريحانية" التركية، بعد نزوحنا من سورية هاربين من براميل ابن حافظ الأسد ومعتقلاته الرهيبة، كنا نتحدث عن الشخصيات التي كانت تكتسب طرافتَها من غبائها وهزالها..

وتوقف حديثنا عند شخصية غريبة، هي شخصية الشاعر "فلان الفلاني" الذي جاء إلى مدينة إدلب من إحدى القرى البعيدة، وصار له شأن في الأوساط الثقافية والأدبية والفنية لأنه أصبح مُخْبِراً معتمداً لدى فروع المخابرات وفرع الحزب، وأصبح الأدباء ذوو القيمة الإبداعية العالية يحسبون له ألف حساب وحساب، لأنه، كما يقولون (ما بيخاف من الله) والمثل الشعبي يقول (اللي ما يخاف من الله بيخَوِّفْ).

وتفرع الحديث في الجلسة، حتى تضمن حكاية الشاعر "دال واو" الذي اعْتُقِلَ بسبب هجومه على الشعراء الذين يمدحون حافظ الأسد، ثم غمز من قناة حافظ الأسد نفسه، ورفض عرضاً مخابراتياً يتضمن أن يكتب قصيدة مديح للأسد، ويأخذ مقابلها إطلاق سراحه في المرحلة الأولى، ثم تسميته وزيراً للإعلام أو للثقافة في أول تشكيلة حكومية قادمة.


قال أبو زاهر مخاطباً الأستاذ كمال: أنت حكيت لنا هذا، وقلت لنا أنه الشاعر ما رفض العرض، وصار يتحجج بأن قريحته نشفت. بس ما عرفنا، أيش صار بعدين؟
قال كمال: أمر العميد بإعادة الشاعر "دال واو" إلى الزنزانة، وأمر السجانين بتبديل أشرطة الفيديو التي أجبروه على مشاهدتها وهي أشعار المديح لحافظ، ووضع أشرطة تبثّ الأغاني التي غناها مجموعة من المطربين والمطربات لحافظ الأسد، مترافقة مع صور للتظاهرات المليونية التي كانت تخرج لتأييده..

قلت: اسمحوا لي أن أحكي لكم تتمة الحكاية. إن اتحاد الكتاب لم يقم بأي إجراء للدفاع عن زميلهم عضو المكتب التنفيذي "دال واو"، فهم يعملون، منذ استيلاء مخابرات حافظ الأسد على مقدرات البلاد، وفق المنطق التالي: اللي بياخدوه المخابرات أكيد بيكون عامل شي، ولما بيكون الواحد عامل شي ومذنب الله لا يرحمه. لذلك، لما عرفوا أنه "دال واو" سابب على حافظ الأسد قالوا: الله لا يرحمه مية مرة. وقال عضو المكتب التنفيذي المُخْبِر مخاطباً بقية الأعضاء: الآن تأكدتْ لنا صحة المعادلة التي تقول إن شاعراً قليل الشأن مثل "فلان الفلاني" موالياً للقيادة الحكيمة وللمرحلة، أحسن بألف مرة من شاعر كبير خائن مثل "دال واو".

تجرأ أحد أعضاء المكتب التنفيذي وقال له: وحّد الله رفيق. الرجال أخطأ، بس مانو خائن، فرد عليه المخبر بانفعال: ما بيجوز الإنسان يتخبى وراء إصبعه، واللي بيحكي عن السيد الرئيس خائن وستمية خائن. وحمي الوطيس بينهما لولا تدخلُ عضو آخر لتهدئة الأمر بين الزميلين لحدث ما لا تحمد عقباه، لأن المعروف عن العضو المخبر أنه تنح، ودماغه جزمة قديمة.
قال أبو الجود: طيب خيو، وكيف قفلت قصته بعدين؟

قال كمال: لم يترك أهل الشاعر دال طريقة أو وسيلة لإخراجه من المعتقل إلا واتبعوها، وكانت الجهات الأمنية كلها تصدّ هذه المساعي باستخدام عبارة وحيدة هي: لو كان معتقلاً بأيّ تهمة، بما في ذلك (حيازة السلاح والتخطيط لقلب نظام الحكم)، أسهل من تهمة التعرض للسيد الرئيس باعتباره رمزاً للأمة العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج.

قلت: ولعلمكم أن أصعب تهمة في سورية، حتى ولو كانت تهمة تحقير حافظ الأسد، يمكن حلها  بطريقة واحدة هي: الرشاوى. وهذا ما فهمته أسرة الشاعر "دال واو".. فباعوا ما في حوزتهم من أملاك ودفعوها لرئيس فرع المخابرات الذي يعتقل ابنهم، وهذا بدوره أحضر إضبارة الشاعر، وغَيَّر التهمة من تحقير الرئيس الأسد إلى (قول عبارات غير متوازنة في حالة سكر)، وكتب أنه استدعى المتهم واستجوبه فوجده مؤيداً للسيد الرئيس، وحصل منه على تعهد بعدم تناول الكحول في الأماكن العامة. وقال إن إطلاق سراحه مكرمة من القائد الكبير راعي الشعر والشعراء في هذا البلد المعطاء.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...