الكَنّة تتسبب للحماية بالإغماء

الكَنّة تتسبب للحماية بالإغماء

24 سبتمبر 2018
+ الخط -
كنت طفلاً صغيراً حينما اصطحبتني والدتي لزيارة جارتنا "أم صلوح" العائدة للتو من عيادة الدكتور "مجاهد". كانت هناك مجموعة من النساء، بعضهُنَّ أقارب أم صلوح وبعضهن الآخر من الجارات القريبات أو البعيدات.

جرى الحديث في البداية عن طيبة قلب الدكتور مجاهد، وبشاشة وجهه، وطريقته الشعبية في التعامل مع الزبائن، وكيف أنه يمازحهن، وإذا شاهد مريضة نحيفة يقول لها (كلي متلما بياكلوا الناس، ليش هيك ضعيفة ومعصمصة؟)، وإذا كانت أمامه امرأة سمينة يقول لها (خففي وزنك) وأما إذا كان بطن مريضة ما منتفخاً يصيح بها على طول صوته (نَفْثي بترتاحي.. الغازات بودها تقتلك)!..

ثم حكت للزائرات عن الأسئلة التي وجهها إليها الدكتور قبل المعاينة، والنصائح التي قدمها لها بعد المعاينة، وأهمها شرب الماء على الريق، وتناول الأدوية في مواعيدها، وتعقيم الحقن و"السيرينجات" قبل إدخالها في الجسم، وأخيراً، طلب منها أن تبتعد عن الزعل والغضب والمنغصات والأشياء التي ترفع الضغط.


ويبدو أن لهذه الفقرة حساسية خاصة عند أم صلوح، فبمجرد ما قالتها بدأ وجهها يتعكر، ويكفهرّ، وغامت عيناها، وغزاهما الدمع، وبدأت شفتاها ترتجفان، وقالت للنساء:
- هو، قصدي الدكتور مجاهد، لا يعرف التلال المتلتلة من الهموم والبلاوي الزرقا التي أعاني منها، منشان هيك يقول لي يا أم صلوح ابعدي عن الزعل. كيف بدي أبتعد عن الزعل إذا كانت كنتي، زوجة ابني "نادر"، الله لا يوجه لها الخير، لا عمل لديها في هذه الحياة غير أنها تجاكرني وتغيظني؟..

أصلاً أنا ما كنت مريضة، ولكنني شفت في منامي أمي رحمها الله وهي لابسة (أبيض في أبيض)، وكانت تبكي، وقالت لي أنا زعلانة منك، قلت لها ما عاشت التي تزعلك يا أمي، ليش زعلانة؟ أيش طلبك؟ فقالت لي: مشتهية أن آكل لحم بعجين وصفايح بلحمة، وعش البلبل، فقلت لها أبشري.. وجلست أنتظر ابني "نادر" حتى يرجع من الدوام لأطلب منه أن يصنع المأكولات التي طلبتها والدتي رحمها الله ثم نذهب أنا وهو على الموتوسيكل لنوزعها على الفقراء ونقول لهم: هذه المأكولات صدقة عن روح أمي، كلوا واقرأوا لها الفاتحة..

فلما جاء ابني نادر لاقته كنتي المحترمة عند الباب، وراحت تتدلع عليه، وبلا أدنى خجل أو حياء لفت ذراعها على رقبته، وباسته، وصارت تقول له (حبيبي).. فبالله عليكم تحكوا الصدق، مو عيب عليها أن تقول له (حبيبي) أمامي؟ ولما بدأت أنا أحكي له عن المنام الذي شفت فيه أمي لم تتركني أكمل حديثي، وقالت له:
- يا حبيبي نادر، أنت موظف فقير، ومانك قادر تطعم الأحياء، فكيف بدك تطعم الأموات؟
وقتها أنا وقعت على الأرض، وابني رش علي الماء وأعطاني مصاري وقال لي روحي لعند الدكتور مجاهد.. الله لا يسامح الدكتور مجاهد، كيف يطلب مني الابتعاد عن الزعل؟ إهي إهي..

وانفلتت أم صلوح بالبكاء، ثم أغمي عليها، وهرعت النساء الزائرات يبحثن عن سيارة لنقلها إلى المشفى في حالة إسعاف!
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...