جارتنا "نشوى" تحبني

جارتنا "نشوى" تحبني

25 اغسطس 2018
+ الخط -

حينما يجتمع صديقي أبو الجود مع جاره "أبو قدور" يتحولان، فوراً، إلى ثنائي كوميدي.. يبدأ المشهد، عادةً، بأن يوجه أبو قدور اللوم لأبي الجود على تقصيره عن زيارته، باعتباره بمقام والده الراحل.. ثم يتوقف عن اللوم حينما يصبح قريباً منه، ويفتح يديه ليعانقه ويقبله، فيصبح وجهُه عند صدره، وذلك بسبب التفاوت في الطول بينهما، وبعدها يبدأ أبو قدور بسرد صفات أبي الجود المتعلقة بالتقى والورع وبر الوالدين، وهذا، برأيه، ما جعل حظه يستيقظ، ويعتدل فيجعل امرأة مثل السيدة "نشوى" التي طلقت زوجها مؤخراً تقبل به عريساً.

ذات مرة، حصل اللقاء، وجاء أبو قدور على ذكر السيدة "نشوى"، فسارع أبو الجود مستوضحاً: ونشوى هل تقبل بي على علاتي وعيوبي؟!

فصاح أبو قدور: يخسا كل مَن يقول أن فيك علات وعيوب. 

وأنشد بيتاً لبشار بن برد جمع فيه شطرين من بيتين مختلفين:

إذا أنتَ لم تشرب مراراً على القذى

كفى المرءَ نبلاً أن تُعَدَّ معايبُه

قال أبو الجود: هات يدك يا عمي أبو قدور لأبوسها بدءاً من روس الأصابع حتى الكتف. ثم أرجوك أن تصحح معلوماتك، فالمعايب التي ذكرها "بشار بن بُرد" في قوله (كفى المرءَ نبلاً أن تُعَدَّ معايبُه) أكيد صغيرة كتير، متل لما بتقول: فلان بينسى، فلان بيضحك بلا تحفظ، فلان يبصبص على النسوان.. وأما أنا فعيوبي عبارة عن بلاوي وكوارث وخطوب: فقر مزمن، نحس مُلازم، ومديونية دائمة، وفوق هادا الشي كله أنا مبذر، متلاف، يعني مع أن الراتب يكفي زملائي لنصف الشهر، أنا ينفد راتبي خلال تلات الأيام الأولى من الشهر، وأبدأ بالاستلاف.

قال أبو قدور وكأنه قبض بيده على السر الباتع الذي لا يعرفه غيره من الناس: 

- ولكن أنت شاب، عمرك تحت الأربعين سنة، طويل، عريض، وأشقر، وعيونك زرق متل الرجال اللي بيطلعوا بالتلفزيون.. ومن دون يمين أول ما بتشوفك "نشوى" إذا كانت قاعدة ما راح تقدر تنهض، لأن بيكون ضهرها انكسر وركبها انحلُّوا..

قال أبو الجود: يا سيدي وأنا، من دون ما أشوف "نشوى"، راح تنحل ركبي وينكسر ظهري لما أشوفها، لأنها أكيد جميلة، ولو كانت بشعة أنت لا يمكن أن تختارها لي، فأنا بمقام ابنك "قدور".. بس أنا عندي رجاء لحضرتك. هو أنك تروح لعندها في البداية، وتعرض عليها فكرتك، وتعدد لها العيوب الكارثية الموجودة في شخصيتي، وإذا رضيت..

توقف أبو قدور عن المزاح والهزل فجأة وقال: 

- لما أنت قلت إنك بمقام ابني "قدور" ذكرتني بشغلة ما كانت جاية على بالي. أي والله.

قال أبو الجود: ما هي؟

فقال محدثاً نفسه بصوت مسموع: أنا ليش ما بخطب "نشوى" لإبني قدور؟ صحيح أن قدور متزوج وعنده تلات أولاد، ولكن هي مطلقة. والطلب على المطلقات ضعيف في هذه الأيام! 

ويقول لأبي الجود: عن إذنك خاي. أنا انشغلت!

ويغادر.

  

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...