رياضة.. بالروح بالدم نفديك أمية (11)

رياضة.. بالروح بالدم نفديك أمية (11)

14 يوليو 2018
+ الخط -
حكومة بيت الأسد، في يوم من الأيام، غيّرت أسماء النوادي الرياضية السورية بشكل قسري، وبطريقة معاندة لإرادة الشعب في كل مدينة. نادي "حلب الأهلي"، مثلاً، صار اسمه "الاتحاد"، لماذا الاتحاد؟ ومَن الذي اتحد مع مَنْ؟ لا أحد يعرف. نادي الشبيبة الأرمني "هومنتمن" الذي تأسس سنة 1923 صار اسمه "اليرموك"، وملعب حلب البلدي صار اسمه ملعب السابع من نيسان، ونادي القامشلي أطلقوا عليه اسم "الجهاد"، ونادي إدلب صار اسمه "أمية"، وفي سنة 1994، بمناسبة مقتل باسل الأسد بحادث سيارة، وخلال هستيريا تغيير أسماء المنشآت، جعلوا اسمه ملعب باسل الأسد. وأضافوا لاسمه كلمة "الشهيد".. فتخيلوا!

كنت أذهب إلى الملعب البلدي لمشاهدة مباريات نادي أمية، ليس حباً بلعبة كرة القدم وحسب، بل هي محاولة مني لفهم هذه الظاهرة العجيبة، واكتشاف السر الذي يجعل خمسة آلاف رجل يدفعون ثمن البطاقات من مصروف عيالهم، ويأتون إلى الملعب قبل بدء المباراة بما لا يقل عن نصف ساعة، ليشجعوا فريقهم، ويصل حماس الواحد منهم إلى مستوى الدخول في معركة (قاتل أو مقتول) دفاعاً عنه!

وأتساءل: لماذا لا تأتي النساء إلى الملاعب في مختلف أنحاء سورية؟ ألأنهن لا يحببن الفرجة على كرة القدم؟ أم لأنهن محرومات من المشاركة في الحياة العامة؟ أم لأن المجتمع متعصب، ويقيم فصلاً كتيماً بين الجنسين؟ أم لأن اللعبة عنيفة والرجال يخافون على نسائهم من الذهاب (فرق عملة) فيما لو حدث اشتباك أو ضرب في الملعب خلال المباراة؟

ذات مرة حصلت مشاجرة. وأسباب المشاجرات معروفة، لها علاقة بتعصب الناس لفرقهم الرياضية. رجال الشرطة الموجودون في الملعب لم يكن عددهم كافياً لضبط حالة الشغب التي بدأت صغيرة ثم راحت تكبر. ضابط الشرطة الذي يقود الحالة الأمنية استدعى باللاسلكي قواتٍ إضافيةً، وخلال ساعتين تقريباً استطاع أن يُخمد الشغب، واعتقل مجموعة من المشاغبين، وحصرهم في إحدى الزوايا، وبدأ عناصره يخبطونهم بالعصي وأحزمة البنطلونات. وكان بين هؤلاء المضروبين رجل قصير وبدين يدعى (أبو قدور). ويبدو أن بدانته أغرتهم، فعزلوه عن الآخرين، وراحوا يوجهون المزيد من الضربات على جسده كيفما اتفق. ظلوا يضربونه حتى غاب عن الوعي. ثم تركوه ومشوا.

الطريف في الأمر أننا، نحن الموجودين، بعدما غادر الشرطة جئنا لنقدم العون لهؤلاء المساكين الذين تعرضوا للضرب المبرح. فوجدنا أبا قدور مرضوضاً مدمى، غائباً عن الوعي.. وكان يتكلم بصعوبة ويقول:

- بالروح، بالدم، نفديك أمية. بالروح، بالدم، نفديك أمية.

قبل هذه الحادثة لم أكن أصدق بأن فداء شخص ما لشيء ما بالروح وبالدم أمر ممكن. كنت أظنه نوعاً من الشعارات الفارغة.. ولكن، وحده الأخ أبو قدور أثبت لي أن هذا ممكن!

دلالات

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...