عندما يلتَمُّ الشامي على المغربي

عندما يلتَمُّ الشامي على المغربي

07 فبراير 2018
+ الخط -
عَرَفَ الحكامُ الذين تعاقبوا على كراسي الحكم في البلاد العربية المناضلة، بالتجربة، والممارسة، وتراكم الخبرات، أن السبيل الوحيد لدحر الاستعمار والإمبريالية والصهيونية، وإفشال مخططاتها الدنيئة، لا يكون إلا باتحاد ثلاثة عناصر، أولها دوام حالة الطوارئ التي تُحَوِّل كُلَّ ذي صاحب رأي، أو حق، أو مطلب، إلى مشتبه به، مناوئ، متآمر، ينبغي إنهاؤه، أو إخفاؤه، أو إبادته.. وثانيها إيجاد مؤسسات أمنية قوية، تعمل على تطبيق حالة الطوارئ بخبرة وجدارة.

وثالثها وجود إعلام جماهيري، شعبي، قومي، ملتزم، يواكب ما يفعله قانون الطوارئ والمؤسسات الأمنية بالناس، ويسوغه، ويحلله، ويجعله مطالب جماهيريةً لا غنى للبلاد عنها.. ومن هنا واصلت المحطاتُ الأرضية بثها في الليل والنهار، مرددةً شعارات الصمود إياها، متحدثة عن المؤامرات، والعَوْلَمات، والغزوات الثقافية إياها.


وجاءت الفضائيات، في أواخر القرن العشرين، لتترجم عبارة عادل إمام الشهيرة "الحكاية كبرتْ أوي يا رجَّالة" إلى واقع ملموس، باهر، لا يأتيه حَقٌّ من بين يديه ولا باطل، وبدأت كل واحدة من القنوات الفضائية العربية تلهث من أجل إثبات أن النظام الذي تمثله هو الأفضل، والأنسب، والأكثر وطنية، وحكمة، وشجاعة، وصموداً في وجه الأعداء.

على سبيل المثال: سورية.. التي لم يكن فيها سوى قناة أرضية شاحبة تبث ثماني ساعات في اليوم، صارت لها قناة فضائية تبث أربعاً وعشرين ساعة، وأخرى للدراما، وثالثة للأخبار، ورابعة تعليمية، وخامسة دينية، وسادسة منوعة اسمها "سما"، إضافة إلى قناة "الدنيا" التي بزت الفضائيات الرسمية من حيثُ الدفاعُ عن السلطة الفاشستية، وقناة "الميادين" التي تكرس دهاءها وخبراتها لإثبات فكرة أن الاستبداد والتعصب المذهبي هما السبيلان الوحيدان لبقاء الشعوب.

وكان من واجب الفضائيات الممانعة أن تتصدّى للفضائيات المتآمرة التي التمَّ فيها الشامي على المغربي، سعودي على قَطَري، على إماراتي، على بريطاني، على فرنسي، على أميركاني، التي تعمل، ليلاً نهاراً، على الحط من عزيمة الصمود الطوارئي، الأمني، الإعلامي الذي استطاع أن يثبت، بالأدلة القاطعة، أن الشعب الذي خرج يطالب بالحرية في أوائل سنة 2011، إنما هو صاحب مطالب عادلة، ولكنَّ العصابات المجرمة اندست بين صفوفه لتخرب اللحمة الوطنية، وتمنع الجماهير الكادحة من الالتفاف حول القيادة الحكيمة، وبالتالي فإنه لا بد من التصدي للعصابات، ولا بد من التضحية بالمطالب العادلة للشعب، وبالشعب نفسه إذا لزم الأمر.

في خضم هذه الأحداث المتلاحقة أصبحت حياتنا نحن السوريين أشبه ما تكون بالكوابيس، نفتح على قنواتنا التلفزيونية التي يفترض أن نسمع منها الحقيقة، فنراها منهمكة، بل مستبسلة في تكريس الرأي الواحد، الأوحد، الموحد، المتجانس، الذي لا يخر الماء، ولا يقبل الجدل، ومستقتلة في سبيل تسخيف الرأي الآخر، وتفنيده، وتكذيبه، وبعد أن تصعقه بالصدمة الأولى، وتجعله يترنح، تنتقل إلى صاحب الرأي نفسه، شخصياً، فتتحدث عن سوابقه في الكذب والخداع والتلفيق والدس، ثم تنتقل إلى أسرته، فلا تترك على أعراض نسائه ستراً مغطى.

وحيال هذا الوضع المضطرب صرنا نسمح لأنفسنا بأن نقلب الموجة إلى إحدى الفضائيات المصنفة ضمن خانة التآمر وبث السموم، فنراها تقول أشياء غير الأشياء التي سمعناها من فضائياتنا، ونرى عليها مقاطع فيديو تثير الرعب فينا والهلع، مقاطع فيها من يَقْتُلُ الناس في الشوارع، أو يقنصهم من على الأسطحة، أو يقصفهم بالطيران، وبالأسلحة الكيماوية، ونعود إلى فضائياتنا لنراها تنفي وتُكَذِّب وتفند وتتهم، وتعلمنا، بعد ذلك، أن نقرأ ما وراء سطور تلك الفضائيات، ونكتشف أن للدول التي تمولها مصالح وأجندات، وأخذنا نكتشف، ويا للهول، أن الشعب هو المستهدف الوحيد، الخاسر الوحيد، وأن الاستبداد لا يجر على البلاد غير الخراب.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...