المحافظ الفهيم وباب المرحاض

المحافظ الفهيم وباب المرحاض

03 فبراير 2018
+ الخط -

بعض الثوار والناشطين كانوا يعتقدون، أن الثورة يجب أن تتضمن، في أحد جوانبها، إجراءَ بعض الاتصالات مع فرع الحزب وبعض ضباط الأمن لحل بعض القضايا المتشابكة بين الطرفين، أو تنفيذ زيارات لبعض المسؤولين في الدولة بقصد امتصاص التوتر والتأكيد على سلمية الثورة... حتى إن بعضهم رضي أن يذهب لمقابلة بشار الأسد، شخصياً، وسمعوا منه تلك الفذلكات الشهيرة التي يلقيها على زواره محاولاً إقناعهم، أن ما يحصل في البلد لا يعدو كونه "مؤامرة"!.. وأن الناس القادمين من المحافظات ما عليهم، برأيه، إلا أن يقفوا وراء قيادته الحكيمة ليواجهوا المؤامرة معاً!!

المهم أن أولئك الناشطين الأوادم استطاعوا في أواسط سنة 2011 أن يلعبوا بعقلي على طريقة "جَدْي لعب بعقل تيس" ويقنعوني بضرورة أن نذهب، نحن ـ ممثلي ـ الثورة، لمقابلة المحافظ السيد ياسر الشوفي، بناء على طلبه.

أول ما يتبادر إلى ذهنك، بعد عشر دقائق الأولى التي تمضيها في مكتب ياسر الشوفي، أن هذا الرجل الجالس وراء ذلك الكرسي الفخم، عبارة عن رجل عَلَّاك! فمع أن أي مسؤول معين في منصب، أو وظيفة، ضمن نظام حافظ الأسد، يعلمُ أن الآذن "الفَرَّاش" الذي يقدم القهوة والشاي لضيوفه، إذا كانت له علاقة جيدة مع المخابرات، أهم بكثير عند القيادة من حضرته؛.. فقد انبرى العَلَّاك ياسر الشوفي يحدثنا، بجدية تامة، عن حس المسؤولية، وروح الشعب، والمبادرات الذاتية، والاستجابة لرياح التغيير، وأن كل مواطن مسؤول، وكل مواطن رئيس جمهورية، إلى آخره؛.. وأما أصدقاؤنا، أعضاء وفد الثوار والمعارضين، فلم يُقَصِّرُوا والله بهذا الكائن، ووجهوا له كلاماً أكثر سواداً واتساخاً من قفا الدست، وتحدثوا، صراحةً، عن كذب الإعلام، ونفاق المسؤولين وانبطاحيتهم، وشيوع الفساد ابتداء من رئيس الجمهورية وانتهاء بالآذن الواقف عند الباب! وبدأوا يتدافعون ويتصادمون وهم يعرضون طلبات الشعب الملحة الآن، وأهمها: تغيير طبيعة النظام المخابراتي، تبييض السجون وإلغاء الاعتقال التعسفي، الاحتكام في كل القضايا إلى صناديق الاقتراع، مراعاة الكفاءات في ملء المناصب، إلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تقضي، أن حزب البعث هو قائد الدولة والمجتمع، وإلغاء القانون 49 الذي يقضي بإعدام الإخوان المسلمين.

كنت قد عاهدتُ نفسي، منذ اللحظة التي قبلتُ فيها بالمشاركة في هذا الوفد الطيب المتحمس، على عدم الخوض في أية مناقشة أو إبداء أي رأي، لأنني على ثقة أن هذا المسؤول، كغيره من المسؤولين في دنيا الأسد، عبارة عن "رِجْل كرسي" وفي أحسن الأحوال مثل عصب العظرط الذي لا يحل ولا يربط!

ولكنني، فجأة، وجدتُ نفسي أندفع فأخاطب المحافظ: 

- أستاذ ياسر، ممكن أنا أقول شغلة؟!

قال: نعم. تفضل.

قلت: الحقيقة أن لدينا مطلباً مهماً جداً.. وأنا أرجو من حضرتك تَبَنِّيه ومساعدتَنا في تحقيقه.

قال باهتمام شديد: ما هو؟

قلت: نطالب بتركيب باب لمرحاض السجن المركزي. وشكراً.  

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...