تمثيليات كوميدية ارتجالية

تمثيليات كوميدية ارتجالية

09 ديسمبر 2018
+ الخط -
لم يكن الضحك هو السبب الوحيد الذي جعل مضافة الحاج زاهد أفندي عامرة بالساهرين أكثر من كل المضافات المنتشرة في مدينة إدلب، خلال ذلك العصر الذي أطلقنا عليه اسم "عصر ما قبل التلفزيون".

هناك سبب آخر مهم هو "التمثيل الكوميدي". التمثيل جاء بوصفه نتيجة طبيعة لتسلسل الأحداث، فالسهرات الأولى كانت تسير على نحو اعتيادي، وكل واحد من الحاضرين يحكي نكتة أو حكاية مضحكة اعترضته في البيت أو في الشغل، ويضحك لها الآخرون. ولكن الحكايات المحفوظة تنفد بسرعة، وإذا جرّب أحد الساهرين أن يحكي الحكاية نفسها فلا بد أن يبادره الحاضرون بالقول:

- منعرفها.
- حكيت لنا إياها من قبل.
فيصاب بخيبة أمل ويمضي بقية السهرة وهو ساكت. من هنا، انطلقت فكرة أن يقوم رواد المضافة بإجراء تمثيليات (مقالب) يكون ضحيتها إما واحدٌ من أفراد الشلة، أو شخص آخر من أهل البلد.

هناك سبب ثالث بالغ الأهمية، هو أن صاحب المضافة نفسه، الحاج زاهد، رجل شعبي، ضحوك، مرح، مستعد للقيام بأي عمل (أو: دور) يجعل الآخرين يضحكون بهناءة، حتى إنه في يوم من الأيام كان يزور أحد أقاربه في معرتمصرين، فوجد تجمعاً للأولاد عند باب أحد الدكاكين، فاقترب منهم على استحياء، مدفوعاً بالفضول لأن يعرف ماذا يجري، وإذا به يرى رجلاً واقفاً أمام باب دكانه ويضرب على طبلة صغيرة بالعصا، ويقول: تعا تفرج على الضبع الكاسر عدو البشرية، تعا تفرج على القرد اللي بيقلد نوم العجوز وعجن الصبية.

وعلى استحياء أيضاً قال زاهد للرجل:
- عين عمك، الفرجة بس للأولاد؟
قال الرجل: الفرجة لمن يدفع ربع ليرة. إن كان صغير أو كبير أنا أشو بتفرق معي؟
وسرعان ما مد الحاج زاهد يده إلى جيب السروال الخارجي (الشنتيان) وأخرج ربع ليرة وضعها في يد الرجل ودخل مع الأولاد.

في السهرة اليومية التي كانت تحتدم في المضافة، حكى الحاج زاهد للساهرين عما رآه داخل تلك الدكانة الصغيرة، وكيف أن الضبع الحقير المعروض للفرجة كان معزولاً عن مكان وقوف الأولاد المتفرجين بشبك خشبي ذي رؤوس معدنية مدببة، خشية أن يصل إليهم فيؤذيهم، وقد أخرجه الرجل من وكره برفقة كريمته الضبعة التي أخذت تتمطى وتخور مثل عكوش البقر، وبعد قليل أحضر القرد ذا العجيزة الحمراء، وطلب منه أن يضرب سلام تعظيم للحاضرين..
هنا ضحك الحاج زاهد وقال:

- والحقيقة يا شباب أن هذا الرجل القَرَّاد ذكي كثيرا، بدليل أنه توقف عن ملاعبة القرد وسألني: الاسم الكريم عم؟ قلت له: اسمي الحاج زاهد. فضرب القرد على مؤخرته وقال له:
- خود تحية للحاج زاهد ولاك عكروت!
أخذ لي القرد تحية. والأولاد انفلتوا في الضحك. وتابع القرّاد إعطاء الأوامر للقرد. قال له: احك للشباب كيف تستيقظ الصبية من النوم.
فوقف القرد وصار يتمطمط..
قال له: وكيف بتنام المرأة العجوز؟ فقلّد القرد امرأة ختيارة نايمة..

الجميل في الموضوع أن الحاج زاهد، وهو يحكي للساهرين ما فعله القرد، قام بنفس الحركات، ما جعلهم يفرطون من الضحك.. وانتهت القصة بأن سأله أبو النور:
- عمي الحاج زاهد، أنا عندي سؤال. يا ترى لو كنت أنت مكان القرد، وطلبنا منك أن تقلد أخانا أبو إبراهيم كيف يخرج من المضافة عندما يأتيه الطلب من أختنا أم إبراهيم. ممكن تقلده؟
قال: طبعاً.

وانبطح الحاج زاهد على بطنه وصار يخرج من باب المضافة مثل الأفعى. والكل يضحكون!

دلالات

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...