كيف تكتب ديوانَي شعر في ثلاثة أيام؟

كيف تكتب ديوانَي شعر في ثلاثة أيام؟

30 ديسمبر 2018
+ الخط -
ما زلنا نتحدث، في جلسة الإمتاع والمؤانسة التي انعقدت في مدينة الريحانية 2012، عن العملية العجيبة التي أدت إلى تنسيب الشاعر المُطَعَّم على مُخْبِر "فلان الفلاني" إلى اتحاد الكتاب العرب. 

قال الأستاذ كمال متابعاً السالفة: انتهت الجلسة غير الرسمية التي عُقدت في اتحاد الكتاب العرب، في ذلك اليوم البعيد، على حَلّ مُرْضٍ لجميع الأطراف، إذ قال المجتمعون للأستاذ (كاف ميم): بالنسبة لصاحبك الشاعر "فلان" الذي أوصاك والدُه بتنسيبه إلى الاتحاد، لقد أصبحت الكُرَة، اعتباراً من اليوم، في ملعبه. قل له إن عليه أن يُصْدِرَ ديوانين شعريين خلال مدة أقصاها ستة أشهر، ويأتي إلينا ونحن نُنَسِّبُه إلى الاتحاد، وفوق التنسيب حبة مسك في شاربك، وشاربه، ولحية أبيه.

قال أبو الجود: أنا شايف أنهم بهذا الطلب وضعوا الشاعر "فلاناً" في مأزق. هو في الأصل، كما أكدتم لنا، لا يجيد كتابة الشعر، وتريدون منه أن يصدر ديوانين في ستة أشهر؟ والله هاي الشغلة نزار قباني الله يرحمه ما قدر عليها.

العم أبو محمد يحب نزار قباني حباً جنونياً. أصلاً هو لا يعرف من الشعراء غيره، لذلك استشاط غضباً وقال لأبي الجود: وَحّدْ ربك يا أبو الجود. أنت هلق عم تشبه فلان بنزار قباني؟ كأنك عَمَّ تشبه الطز بالمرحبا.

قال أبو الجود: والله يا عمي أبو محمد أنا ما قصدت المقارنة. آسف. ولكن قصدي أن جماعة اتحاد الكتاب صَعَّبُوا الشروط على الشاعر المسكين فلان. هو في الشعر وجهُه بعرض إصبعين.

تدخل الأستاذ كمال قائلاً: كلامكم صحيح تماماً. ولكن ما حصل أن فلاناً الفلاني هُرِعَ إلى طاولته الحديدية التي كان قد اشتراها من بائع العتقيات الذي يبسط في سوق الأربعاء بثمن بخس، وقلب عالي الدروج سافلها، وأفرغ الأوراق الكثيرة المجعلكة على الأرض، وجلس، أو كما يقولون (عَسْكَرَ) في غرفته ثلاثة أيام بلياليها وهو يقرأ المسودات، ويجمع الأبيات ذات القوافي المتشابهة، ويقصها ويلصقها على صفحات متسلسلة، حتى أخذ ما يكفي لديوان شعر يتألف من (32) صفحة من القطع الصغير، ثم، وبشق النفس، جمع ما يكفي لعشرين صفحة أخرى، وبعدها ذهب إلى دكان القرية واشترى دفتراً من فئة الـ 200 صفحة، ويقال له في مناطقنا (دفتر أبو الميتين)، ووضع الدفتر في خرج دراجته النارية العتيقة من طراز "ياماها"، ونزل إلى البراري والحقول، وشرع يتأمل الطبيعة الغَنَّاء التي اكتست في هذا الربيع الجميل بساطاً سندسياً، ويصغي إلى زقزقة العصافير والبلابل والعنادل، وبين الفينة والفينة يُخرج الـ (دفتر أبو الميتين) ويكتب بعض الأبيات حتى استحصل على 12 صفحة شعر، من الذي يحبه قلوبكم أيها الأصدقاء الأعزاء المتواجدون في هذه السهرة الجميلة في بلدة الريحانية.

قال أبو إبراهيم: نفهم من هذا أن كلام أخينا أبو الجود صحيح. يعني الواحد غير محتاج أن يكون من الفطاحل مثل نزار قباني أو عمر أبو ريشة حتى يجهز ديوانين من الشعر خلال ثلاثة أيام.

تدخل أبو سامر بأسلوبه الذي يبدو جاداً، ولكنه مبطن بالاستهزاء، وقال:

- والله يا شباب أنا لا أفهم بالشعر ولا نص ربع واحد بالمئة. ولكنني استنتجت من كلام الأستاذ كمال فكرة أظن أنها صحيحة.

سأله العم أبو محمد: أشو استنتجت أخي؟

قال أبو سامر: حتى الواحد يكتب ديوانين من الشعر، خلال ثلاثة أيام، لازم يكون عنده خزانة حديدية، وموتور ياماها و(دفتر أبو الميتين)!

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...