حَسَكة قامشلي تَل تَمْر

حَسَكة قامشلي تَل تَمْر

22 ديسمبر 2018
+ الخط -
الجلسة التي عقدت في مدينة الريحانية التركية، سنة 2012، تناولت مسألة الضحك. حكينا فيها عن نموذج من الأشخاص المضطربين المعقدين الذين لا يمتلكون سوى ثقافة متدنية، ومع ذلك ينصبون أنفسهم معلمينَ على مَنْ حولهم. وعندما يتحدث الواحد من هؤلاء كنا نتهامس فيما بيننا ونقول إنه بدأ (يوشّ).    

قال أبو النور، وهو الذي أوجد مصطلح "الوَشّ"، إن الكلمة لها استخدامات عديدة، وليس بعيداً عن معناها صوت الشبان الملقبين بـ (الوَشّيشة) الذين ينتشرون في كراجات انطلاق البولمانات، والواحد منهم يتعلق بكل شخص يدخل إلى الكراج ويرافقه في مشيته نحو الداخل وهو "يوشّ" في أذنه قائلاً: عَ الحَسَكة معلم؟ حَسَكة قامشلي تَلْ تَمْرْ.. ويوش آخر، في الوقت نفسه فيقول: راكب على طرطوس ماشي.. والثالث: حلب مباشر من دون استراحة.. إدلب معلم؟ معرة إدلب يا أخ، يا الله على إدلب في مطرح قدام.. إلخ.

قال كمال: الأغرب من هذا كله، أعني الشيء الذي يوقف شعر المرء من دهشة، فلا ينفع معه حينئذ صابونٌ ولا "شامبو" ولا مسبلٌ للشعر، هو أن نسبة كبيرة جداً، تزيد عن سبعين بالمئة من الوَشَّاشين ذوي اللوثات العقلية موجودون بيننا نحن الكتاب! 

والتفت نحوي وقال: هل أنا غلطان يا أبو المراديس؟

قلت: الحقيقة، أنا وصديقي الراحل عبد القادر عبد اللي نستخدم مصطلح "الوش" منذ زمن بعيد. فذات مرة التقيتُ بأحد الأدباء "الوشيشة" في كراج السفر، وأنا ذاهب إلى دمشق، فكنتُ بالنسبة إليه لقية، أو رزقة ثمينة، إذ استلمني منذ انطلاق الباص من الكراج الموحد بإدلب، واستمر يحكي لي إنجازاته الأدبية العظيمة، ومشاريعه الأدبية الفظيعة، ويطلب مني أن أستفيد من تجربته في الإبداع، ويا حبذا لو أنني أنصح غيري من الكتاب الناشئين بالاستفادة منها.. دواليك حتى وصلنا إلى الاستراحة في حمص، فنزلنا، وتذرعتُ أنا بالذهاب إلى الحمامات واتصلت بعبد القادر، عبر الموبايل، وحكيت له عن هذه الصحبة، فسألني: فلان عم يوشّ عليك؟

فضحكت وقلت له: طبعاً، عم يوشّ. الله وكيلك الوَشّ ضمن البولمان صار مثل حرب اليابان!

قال عبد القادر يومئذ: 

- مشكلتك يا أبو مرداس أنك رجل عاقل، وفي هذا الموقف لا ينفع إلا الجنون. لو أنني مكانك لكنت تركته عم يحكي و(يوشّ)، وطلبت من معاون الباص أن ينقلني إلى مكان آخر، وأشرح له أنني نعسان، لم أنم طوال الليل، فإذا قال لي الجار الوشيش: بإمكانك تنام هون، أقول له: ومَنْ يضمن لي أنك ما توشّ علي وأنا نايم؟!

في القسم الثاني من الطريق لم أستطع أن أكون مجنوناً كما نصحني صديقي عبد القادر عبد اللي، ولكنني مع ذلك استفدت من فكرته، فما إن انطلق الباص، وباشر جاري الأديب بـ (الوش) حتى ألقيت رأسي على الكرسي، وقلت له: 

- أستاذ فلان بدي منك خدمة صغيرة.

فقال لي: على راسي وعيني. ائمر.

قلت له: مضطر لأن أنام، ولكنني مؤرق منذ البارحة لم أنم. إذا ممكن اقرأ لي آخر مقطوعة أدبية كتبتَها.

قال بحماس: حاضر.

وأخرج من حقيبته مجموعة أوراق وصار يقرأ، وأنا، بمجرد ما قرأ سطرين، نمت، ولم أستيقظ حتى وصلت كاراج البولمان في دمشق!

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...