طز فيك وفي راتبك يا أبو عبوش

طز فيك وفي راتبك يا أبو عبوش

23 نوفمبر 2018
+ الخط -
كان العم "أبو عبوش" يتحدث في كل قضية تُطْرَحُ أمامه وكأنه مختص بهذه القضية، وحاصل فيها على ليسانس وماجستير ودكتوراه إضافة إلى شهادة "البورد" في هذا الاختصاص، لذا تراه يأخذ ويعطي ويشرح ويفند ويستفيض، وأحياناً يغلط بحق الأشخاص الذين يتحاور معهم، مسيئاً إليهم، ولكن بطريقة محببة.

ذات مرة، كان يحكي عن الرواتب التي تُمنح للموظفين السوريين بطريقة عجيبة، إذ كان يسأل الحاضرين في الجلسة واحداً واحداً. يقول للأول: أنت شقد راتبك يا عين عمك؟ وللثاني: أنت شقد بتقبض راتب كل شهر؟ وللثالث: شقد بتاخد بالشهر؟.. وهكذا. وبعدما يتلقى الإجابات يباشر بتقريع الموجودين واتهامهم بالكسل والتواكل، والركون للراتب الحكومي الذي أصبح يتزايد بموجب المراسيم الجمهورية، ولكنه يخسر من قيمته الشرائية على نحو مطرد بسبب التضخم النقدي الذي تشهده البلاد.. وأثناء تقريع الموجودين يتجرأ أحياناً ويستخدم عبارات نابية مع الشخص المُقَرَّع من قبيل: تضرب أنت وراتبك!.. أو: .. طز فيك وفي هيك راتب! أو: .. عليك وعلى راتبك يا بهيمة.

وبعدها يشرح وجهة نظره ليبرر لمجالسيه سببَ غضبه، وهي أن الراتب الحالي لا يوجد فيه (بَرَكة)، أيام قليلة وينفد، وأما على زمانه، فمع أن الراتب كان 375 ليرة سورية فقط، إلا أن الموظف كان محسوداً على عيشته، فبهذا الراتب يأكل ويشرب ويتنزه ويتصدق على الفقراء، ويصرف على الملذات السرّية، ويزيد معه مبلغ لا يقل عن نصف الراتب يخبئه لغدرات الزمان.. ثم حلف يميناً معظمة أنه ذات مرة قرر أن يوفر من راتبه مبالغ لمدة 12 شهراً فقط، وكان ذلك، وتجمع لديه مال اشترى به منزلاً كبيراً، أو كما يصفه: سَيَّاح نَيَّاح، بلكون أول، شرقي جنوبي غربي، يستقبل الشمس عند الشروق ويودعها بأمان الرحمن عند الغروب، مُنَجَّر ومبلط ومدهن وأبوابه ألمنيوم أوكروديون ورفوفه مرمر وسيراميك..

ذات مرة تجرأ أحد الحاضرين وقال له: عمي أبو عبوش، هل تسمح لي بملاحظة أقولها ولا تزعل مني؟

قال أبو عبوش: طبعاً لا أزعل. الجلسة التي تجمعنا عبارة عن بساط أحمدي.

قال الرجل: أنت تقيم منذ سنوات في غرفة صغيرة عند أخيك الأصغر، وكل يوم والثاني تتشاجر أنت وزوجة أخيك، وهي تطلب من زوجها أن يطردك بسبب حشريتك وتدخلك في ما يعنيك وما لا يعنيك. هل هذا صحيح؟

قال أبو عبوش: صحيح أو غير صحيح. أنت مالك؟

قال الرجل: لا شيء، ولكنني أتساءل لماذا تترك المنزل السياح النياح المهوي المضوي الرائع مقفلاً وتجلس في بيت حقير كهذا؟

اضطربت أحوال أبي عبوش وقال: آ؟ 

- أي. الحق معك. ولكني بعت ذلك المنزل من زمان.

قال أحد الحاضرين: ليش بعته؟

فانفجر قائلاً: بعته بسبب التضخم النقدي الذي جعل رواتبكم لا تكفيكم حتى الخامس من كل شهر. تضربوا أنتم وهكذا رواتب!.. عليكم وعلى هيك رواتب! 

دلالات

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...