الثنائي الكوميدي والجحش

الثنائي الكوميدي والجحش

02 نوفمبر 2018
+ الخط -
كان قاسم وزوجته فريدة الملقبان بـ"الثنائي المرح" يتجولان في أزقة البلدة سيراً على الأقدام، رغم أنهما تجاوزا سن السبعين، ويدققان في كل شيء يريانه، كما لو أنهما سائحان جاءا إلى هنا لأول مرة، ويقومان بأفعال مضحكة.
حكيت لكم، في تدوينة سابقة، كيف أنهما جربا تبادل الأدوار بين الإنسان والكلب، وراحا يعويان عليه، فخاف الكلب، وولى هارباً. وبعد أن ضحكا طويلاً، تأوه قاسم وقال: آه.. لو أنه لم يهرب. والله كنت مفكر أن أعضَّه!
قالت فريدة: هس. وطي صوتك. التفت وشوف أيش صاير وراك.
التفت قاسم. كان يعبر في عمق الزقاق "أبو عبدو الماوردي"، وهو يسحب حماراً محملاً بكمية كبيرة من الحطب، والحمار، من ضخامة الحمولة، يمشي بصعوبة، وأبو عبدو يضربه بـ"قضيب رمان" على مؤخرته، ويصيح به: حا ولاك حا..
قال قاسم: ما في شي جديد. هادا "أبو عبدو الماوردي" رجل ظالم، لا يخاف الله، طول عمره وهو يُحَمِّل الجحش فوق طاقته، ويضربه لكي يجبره على السير السريع. أنا مرة كنت أمر بالقرب من الجبانة الجنوبية. بتعرفيها؟
قالت: أعرفها. هناك يوجد مستنقع مياهه وسخة.
قال: صحيح. ورأيت "أبو عبدو الماوردي" قد اصطحب حماره إلى الرام لكي يسقيه. إذا عندك وقت أنا مستعد أحكي لك القصة من أولها.
تصنعت فريدة منتهى الجد وقالت: أنا آسفة، مشغولة كتير. لازم أروح على المكتب، لأن الباخرة اللي أنا استوردتها جاءني خبر أنها محجوزة في قناة السويس. لازم أعمل اتصالاتي حتى أخلصها!
ضحك قاسم، وضربها بكفه على مؤخرتها، وقال لها:
- روحي فداء باخرتك. اسمعي القصة.


وحكى لها كيف أن مصطفى ابن "أبو عبدو الماوردي" أشفق على الجحش، وأنزل عن ظهره الحمولة الثقيلة، وسحبه إلى المعلف لكي يطعمه قليلاً من التبن والشعير، فلما رآه أبوه صار يضربهما (مصطفى والجحش) بلا شفقة، وقال لابنه ما معناه إنه، أي الابن، لا يفهم، فالجحش ليس جائعاً بل عطشان، والابن، من شدة غبائه، هرع إلى الحنفية، ووضع تحتها سطلاً يريد أن يملأه ليسقي الجحش، وهنا بلغ غيظ "أبو عبدو الماوردي" الأوج، وقال لابنه إن فتح الحنفية لملء السطل سيجعل عداد المياه يتحرك ويسجل علينا نقوداً، ولماذا؟ لأجل سقاية جحش؟ تعال يا ابن الكلب (هذه لابنه مصطفى) لأريك كيف يكون التوفير على أصوله..
وركب على ظهر الجحش وراح ينخسه في رقبته ليركض، حتى وصل إلى المستنقع الآسن، فنزل عنه وراح يحاول سقايته، ولكن الجحش أبى أن يشرب. بتعرفي ليش رفض الجحش أن يشرب يا أم باخرة؟ (وضربها مرة أخرى على مؤخرتها).
قالت: لأن الماء وسخة.
قال: لا. ولكن هذا الجحش متلي أنا بالضبط. إذا كان جوعان ما بيشرب!
قالت: أنا أعرف أنك لا تشرب إذا لم تأكل. لذلك تفضل معي.
قال: لوين؟
ضحكت وقالت: تفضل ع المعلف!

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...