تشخيص أولي للواقع السياسي المغربي

تشخيص أولي للواقع السياسي المغربي

26 أكتوبر 2018
+ الخط -
إن السياسة هي علم الممكن بكل بساطة، وهي كيفية إدارة ومعالجة أمور الدنيا بشكل عام، أو أمور جماعة أو حزب أو دولة بشكل خاص، عن طريق إجراءات وبرامج وتدابير وقرارات لإحداث تغيير أو الارتقاء بوضع ما إلى ما هو أحسن، ومن حق أي كان من أبناء الشعب ممارستها والمشاركة فيها. وقد يُقصد بها السعي وراء امتلاك السلطة، شريطة أن تكون سليمة عندما يتم تدبير الشأن العام بشكل ديمقراطي ومنطقي، وتُفضي إلى تحقيق ما يصبو إليه المواطن ويطمح إليه.

إن المغرب اختار منطق التعددية الحزبية كخيار كرسته ظروف مرحلة ما بعد الاستعمار، واختيار التعددية الحزبية الديمقراطية كان لعدة أسباب لا يتسع المقام لذكرها الآن. إننا إذا كنا ندعي أننا نعيش فترة الديمقراطية بالبلاد أو بالأحرى تجديدها بعد الفترة التي مضت، أكثر من عقدين من الزمن، يجب أن نشهد تغييرا في النسق السياسي المغربي وفي نواته الأساسية التي هي الأحزاب، لكن نلحظ أن هناك تشتتا في البيت الداخلي للأحزاب وغياب الإنتاج الفكري من تنظيمات وقرارات يكون مُحتواها يُعبر عن النضال الديمقراطي الحزبي الحق، فإذا تم حذف كلمة "سوف" من خطابات الأحزاب لن يتبقى شيء يذكر، إن الشعب المغربي يُريد حزبا بإيديولوجية متمثلة بالرأسمالية الاجتماعية التي يردد مبادئها الحزب الاشتراكي الموحد، لكن المواطن المتتبع لشأن الأحزاب بالمغرب لا يتفاءل خيرا، لأن الممارسة السياسية يجب أن يكون كل هم صاحبها هو تقديم الأفضل للمجتمع والذي عماده الفرد بمعنى أن هناك مبدأ يتأطر به كل ممارس للسياسية، والسعي نحو تحقيق الأفضل وعدم التحايل على الواقع السياسي باحتلال مواقع لتحقيق مصالح شخصية لا غير، واختزال العمل السياسي في التسابق على المقاعد والجري وراء المصالح.

في التشخيص للواقع السياسي ببلادنا لا يتم التطرق إلى الأحزاب السياسية بشكل اعتباطي، بل نريد أن نُذكر أنه هو المُعبر عن مطالب المواطنين والوصول إلى السلطة لتحقيق سياسته، لكن ذلك لا يتعدى الإطار النظري للأحزاب ليس إلا، لأنها تُغرد خارج سرب اهتمامات المواطن المغربي، هذا دون إغفال أن أزمة تجديد النخب السياسية تُساهم أكثر في تشويه صورتها، خصوصا عندما أصبحت مقترنة بأشخاص يتشبثون بكراسيهم القيادية، إلى حد الالتصاق بها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهذا ما يُعتبر منافيا للتاريخ الديمقراطي والمنطق السياسي الذي يتطلب التجديد المستمر، قدوة ببعض الدول الغربية الديمقراطية.

إنه من أجل دعم الديمقراطية الحقة اليوم يجب تنقية وترتيب المشهد الحزبي باعتباره من أهم القضايا السياسية الراهنة بالمغرب، إذ يجب تقليص عدد الأحزاب بطريقة الإدماج الممكن، أو بالإعدام إن صح التعبير، حتى تكون لهذه الأحزاب المنشودة مصداقية تستمدها من المواطنين داخليا وخارجيا، وتكون لها خُطط وتصورات تنشد التنظيم والتوحد مهما يكن من اختلاف لأن هذا الأخير يكون في الخصوصيات، والتوحد يكون في البرامج والقرارات والنتائج.

إن مغرب اليوم يعيش سكيزوفرينيا سياسية كما أشار إلى ذلك محمد ظريف في كتاباته، من حيث إننا نميز في المغرب بين التعددية الحزبية والتعددية السياسية، إذ أشار إلى أن المغرب يعيش تعددية حزبية ومجالها في "النظام القانوني" بدل التعددية السياسية التي مجالها في "طبيعة المجتمع". إذ إن تحديد الهوية الأيديولوجية لكل حزب أصبح مطلبا أساسيا لأنه مرتبط بالمبدأ الأساسي للحزب.

إن دور الحزب في عالمنا المعاصر هو التفكير بشكل جماعي وصوت مسموع والخروج بنتائج لصالح المواطن رغم الخلافات والاختلافات وهذا لن يتأتى إلا بالتواصل مع المواطنين والتوفر على أطر في مختلف مجالات النشاط المجتمعي.
إن استمرار الوضع السياسي الراهن المبني على التكاثر والتناسل المستمرين هو ما ينعكس على البلد بالسلب، ويُمكن أن يؤدي لا قدر الله، إلى هزّات اجتماعية تصعب حينها لملمتها، ويكون الأوان قد فات إن لم تتم إعادة الهيكلة للحقل السياسي ووضع حد لهذا النزيف الذي يفتح الطريق لمزيد من الفساد السياسي، وكفانا عبثا بالقول إن الغد القريب قد يجود علينا بمغرب آخر فأنصاف الحلول أصبحت مكشوفة ومتجاوزة، ووجب فتح قنوات الحوار والتواصل لكي لا تتسع الهوة أكثر بين رعية الشعب ورعاتها.