بخصوص صديقي النجار الشيوعي

بخصوص صديقي النجار الشيوعي

26 أكتوبر 2018
+ الخط -
الاسم: خالد. اللقب: أبو عمار. المهنة: نجار. الاتجاه السياسي: شيوعي.

كان بعض الرفاق الشيوعيين يسمون المولودَ الذكر الأول "خالد"، تيمناً بالرفيق خالد بكداش، لا بالقائد العربي خالد بن الوليد الذي كان يُجندل الأعداء، ويعتبر الناس العاديين من أمثالنا جبناءَ رعاديدَ لا لذنب سوى أنهم يموتون بعيداً عن ساحات الوغى، لذلك يدعو عليهم بألا تقر أعينهم. 

وكثيرون من الرفاق الشيوعيين يسمون أبناءهم الذكور "عمار"، لأن الرفيق خالد بكداش نفسه يُكَنَّى "أبو عمار"، وأنتم تعلمون أن الرفيق عمار بكداش ووالدته وصال فرحة بكداش قد حققا سبقاً سياسياً تاريخياً، عندما ورثا قيادة الحزب الشيوعي السوري عن الرفيق خالد (1995)، قبل أن يرثَ بشار الأسد ووالدته أنيسة رئاسةَ الجمهورية العربية السورية عن حافظ (2000).  

المهم، ما علينا من الاسم، صديقي النجار خالد، الملقب "أبو عمار"، كان شيوعياً ظريفاً، مطمئناً إلى شيوعيته لوجود ثلاثة عوامل أساسية، الأول أن اسمه خالد، والثاني أنه أبو عمار، والثالث أنه نجار؛ يعني من البروليتاريا التي ليس من حقها أن تقود المجتمعات وحسب، بل من حقها أن تستبد بالناس تطبيقاً لفكرة: "ديكتاتورية البروليتاريا" اللينينية.. 

كان خالد يذهب إلى مؤسسة "عمران" التي كانت تسمى في السابق "إنتروميتال"، ويشتري الخشب، ويشحنه إلى دكانه، وفي الشتاء يعمل طيلة النهار في صناعة الأبواب والشبابيك والخزائن والطاولات، حتى إذا جاءه أحدُ الزوار الذين يستأنس بهم، يطلب من صانعه "أبو المَرُو" أن يضع إبريق الشاي على مدفأة الحطب، ويجلس مع ضيفه ويبدآن بشرب الشاي والتدخين وتبادل سرد الحكايات المضحكة. لأنه، بحسب ما باح لي ذات مرة، يحب الأصدقاء المرحين، ويضيق ذرعاً بالصديق أو الرفيق أو الضيف الجدّي المتجهم الذي يوحي لك، عندما تجالسه، بأن العالم كله متآمر ضده، وأنه الآن يمر بظروف كارثية سوف تؤدي إلى خراب بيته، ثم لا تستطيعُ أنت ولا غيرك مساعدته أو إنقاذه، لأن (الموضوع منتهي، وما في ثمرة، ولا في نتيجة)! 

هناك حكايات كثيرة بطلُها صديقي النجار الشيوعي خالد، سأروي بعضها في تدوينات لاحقة، ولكن تحضرني الآن حكاية شتائية كانت لنا. كنا، أنا وأبو عمار، نشرب الشاي و(نسولف)، وكنت أحكي له عن أهل بلدتي معرتمصرين، وهو يحكي لي عن أهل بلدته (سين صاد)، وقد لاحظ أن إبريق الشاي الموجود فوق مدفأة الحطب قد تأخر غليانُه، فرفع غطاء المدفأة، ووضع ضمن النار المشتعلة قطعة خشب كبيرة الحجم.. ثم استأنفنا الأحاديث حتى مضى بعض الوقت، ووقتها قلت له: 

- يبدو أن الخشب الذي تأتون به من مؤسسة "العمران" مسترطب؟    

فضحك وقال: انظر. 

وفتح المدفأة، وحمل قطعة الخشب الكبيرة التي وضعها في النار، وحملها بيده وأخرجها، وإذا بها قد احتفظت بشكلها، ولم تصبح سوداء، ولم تشتعل.

وتابع يقول: أكتر شي بيخلي الواحد يفقع من الغيظ، أن عمال المؤسسة تطير عقولُهم إذا شاهدوا أحد النجارين الذين جاؤوا لتسلم مخصصاتهم من الخشب يدخن سيجارة. فترى الواحد منهم يركض نحوه ويقول له: انتبه ودير بالك يا أخ، هنا يوجد خشب، والخشب إذا جاءته شرارة نار يحترق.. 

ثم قال: أنا مع الأخذ بعوامل الأمان، وأنا ضد التدخين في الأماكن العامة، ولكن تخيل، نصف ساعة وهذه الخشبة في قلب المدفأة المشتعلة ولم يتعكر صفوها.. فماذا ستؤثر فيها شرارة سيجارة؟!

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...