حينما تدخّن انظر وراءك

حينما تدخّن انظر وراءك

06 يوليو 2017
+ الخط -

حينما يُسألُ صديقي أبو نزار المفلسف عما إذا كان يدخن أم لا، يضحك ويقول: والله ما بعرف، لأني لما بمشي ما بتطلَّع وراي، وفي مناسبات أخرى يقول: أنا أدخن فقط في الطرقات الصاعدة. 

ولعل هذا التلميح الضاحك الذي يمزج بين المدخن العتيد والسيارة العتيقة التي تُخْرِج الدخان من مؤخرتها لم يأت من فراغ، فنحن نظل ندخن حتى لا يَعرف المرءُ من أي ثقب في جسدنا يخرج الدخان. 

حصل هذا الالتباس المضحك معي شخصياً، حينما كنت أعيش في مدينة إدلب، وعندي سيارة يابانية عتيقة (تويوتا)، وكانت سيجارتي من ماركة "الحمراء الطويلة" مشتعلة ويعج منها الدخان مثلما يعج من موقد النار البدائي "الأثفية"، ومررت بدوار المتنبي وإذا بشرطي المرور يصفر لي ويشير لي بيده أن أنزل حالاً، فنزلت وأنا أقول: أعوذ بالله من هالنهار. 

تعوذتُ بالله لأن شرطي المرور في سورية هو من أكثر المرتشين صراحة ووضوحاً، إذ إنه اعتاد أن يُوقف كل سيارة تمر من أمامه، سواء أكانت تخالف أنظمة المرور أم لا، ثم يُعْلِم سائقها بنوع المخالفة التي يزعم أنه ارتكبها، كالسرعة الزائدة أو التزمير أمام المشافي أو تجاوز إشارة المرور، أو التدوير في منتصف الشارع أو التدخين أثناء القيادة، يتحدث معه وفي الوقت نفسه يفتح يده مثل جرن الحَمَّام لكي يعطيه الرشوة، فإن تجاهل السائق طلبه يقول له بصراحة "بَيِّضْ الفال"، فإذا أصر السائق على البخل كان يكتب بحقه ضبط مخالفة من النوع الذي "لا يقف عليه حكيم".    

سألت الشرطي الذي استوقفني عن نوع المخالفة التي ارتكبتها وجعلته يطلق صافرته باتجاهي، فقال لي:

- عم تدخن.

فضحكت بطريقة كيدية وقلت له: التدخين، يا أبو الشباب، ممنوع في وسائط النقل العامة، وهذه سيارتي الخاصة. ألم ترَ لوحتها السوداء وعبارة خاصة زراعية؟

فقال: المشكلة أنك أنت عم تدخن من قدام، والسيارة عم تدخن من ورا!

ومد يده وقال: طبعاً ما في مشكلة، بس بَيّضْ الفال. 

دلالات

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...